ملامح من المسرح الليبي المعاصر ــ 10
للكاتب الليبي نوري عبدالدائم
محمد العلاقي
" شفافية التكوين "
وقوفه لأول مرة كمخرج أمام فريق من الهواة بــ" المركز الثقافي المصراتي" في مسرحية" العباسة" وهو لم يتجاوز العشرين من عمره (1964 ــ 1963) ربما تكون الفرصة التي أهلته للانضمام لــ" الفرقة الوطنية "، وليلتقي ولأول مرة أستاذه" محمد عبدالعزيز العقربي" ليسند إليه دور" قيس" في مسرحية" مجنون ليلى" بعد دورة مكثفة في " التكوين والتأهيل والإعداد المسرحي " مع مجموعة من الفنانين كانت النواة الأولي لإنشاء معهد جمال الدين الميلادي للتمثيل والموسيقي . وأيضا كان عضواً مؤسساً للمسرح القومي " المسرح الوطني/ طرابلس " الحديث الإنشاء بإدارة الموسيقي كاظم نديم، وبعده الممثل عمران راغب المدنيني.
صحبة مجموعة من المبدعين الذين أرسو فيما بعد دعائم لمسرح ليبي ، محمد الساحلي، الإذاعي علي عطية ، علي القبلاوي ، الدوكالي بشير، الأمين ناصف ، محمد شرف الدين ، شعبان القبلاوي، الطاهر القبائلي .
كان وقتها المسرح القومي (1967 ـــ 1966) يستعد لمسرحية " عطيل " لوليم شكسبير " من إخراج " العقربي" ولأول مرة يقف " محمد العلاقي" كممثل مع فرقة محترفة . لم تر هذه المسرحية النور بسبب وفاة مخرجها. عندها سافر العلاقي إلى "فرنسا" للدراسة بــ ( المركز العالمي للتكوين والبحث المسرحي ) بإدارة "جاك لانج "_ وزير الثقافة الفرنسي فيما بعد 1967م.
المسرح الأوربي في تلك الفترة يضج بالمتغيرات والمسرح الفرنسي تحديدا، صادف تواجدك هناك قيام ثورة الطلاب .
العلاقي :- نعم كانت في مايو 1968 و كنت احد المشاركين فيها.
طالت هذه الثورة مسرحيين كبار أمثال المخرج " جان لوي بارو " والمخرج " جان فيلار" كونهم أصحاب مناهج تقليدية في الفن. العلاقي :- نعم .... الغوا" جان لوي بارو" ولحقوا ب"فيلار" إلى "مهرجان افينون" ليتظاهروا ضده.
أهم الأساتذة التي يضمها المركز في ذلك الوقت ؟ العلاقي :- درست التمثيل عن " ماريا كازاريس" التي أتت إلى فرنسا مع الحرب الأهلية الأسبانية . و" سوفو بودا" الذي كان ثورة في عالم السينوقرافيا وأيضاً أول من أدخل "الفانوس السحري " في المسرح . إضافة لدورة مكثفة مع المخرج البولندي "جيرزي جروتفسكي" لمدة شهر.
أهم الأعمال التي ظلت في ذاكرتك خلال فترة الدراسة ؟ العلاقي :- أخرجنا عملاً جماعياً ل "ديكارت " اسمه " موت السلام " . أما مشروع التخرج كان عن المسرح السياسي وهو توليفة " كولاج " عن المخرج الكبير" بسكاتور " بممثلين فرنسيين ، وأيضا كنت عضواً في فرقة " الحديث " التي كان يديرها الممثل " جون ماري بات ".
بعد هذه الرحلة عدت إلى ليبيا أستاذا لمادتي التمثيل الإخراج بمعهد جمال الدين الميلادي، كما أسست فرقة الزاوية لتقدم من خلالها عملك الأول" قرقاش "... العلاقي _ ممثلا ومخرجاً . هذه أخر علاقة لك بالتمثيل. ومسرحية " الشنطة طارت" مع نفس الفرقة ، إضافة لتعاونك مع المسرح الوطني بمسرحية " الأقنعة " بطولة" علي الخمسي" " والجانب الوضيء " بطولة" عياد الزليطني" ثم محمد بن يوسف بعد سفر الأول إلى فرنسا، ومع المسرح الحر مسرحية " نحن الملك " بطولة الخمسي .
عند إدارتك للمسرح الوطني قدمت مسرحية تحت إشرافك " ملحن في سوق الثلاث " للمرحوم " الأزهر ابوبكر حميد" سجلت بإشراف " محمد العلاقي " وليس إخراج ، وقتها أثير كثير من الجدل حول هذا المفهوم أو المصطلح ؟
العلاقي :- المسرحية كانت من إخراج " منصور عاكف" الذي انسحب إثر خلاف بينه وبين الممثلة " لطفية إبراهيم" فتدخلت لإنقاذ أول عمل تحت إدارتي، وبما أن العمل كان في مستهله أجريت تعديلات كثيرة و دفعت بالعديد من الوجوه الجديدة " نوري الصادق، الهادي الحامي ، مفتاح المصراتي، يوسف الكردي.
أخر عمل مع المسرح الوطني كان " مسرحية الطابية " تأليف ساسي مسعود ، هل كنت راض عنها؟
العلاقي :- هي بداية لنقلة على صعيد النص ، حاولت الدفع بــ " ساسي" الذي يجيد السرد، كانت محاولة لمولد نص من داخل الفرقة . قبلها كانت مسرحية " الظلمة " وهي باللغة العربية تمهيداً لهذه المسرحية ، ثم جاءت "الميت الحي" و" من ذاكرة الكرسي" إضافة لتعاوني مع منصور أبوشناف في " حكايات ليبية " للصادق النيهوم .
اللوحة الثالثة لم تكن بمستوى اللوحتين الأولى والثانية ، وأيضا شعرت بأن الأدوار اكبر من المجسدين.
العلاقي :- اجل.. لم يكمل " منصور " اللوحة الأخيرة فكتبتها بنفسي وبعجالة ، أما الممثلين فهم نفس الممثلون الذين عملوا معي في" جالو" أخيرا .
في" جالو" كانوا قد اكتسبوا خبرة وتشكلت معرفتهم وتكونت أجسادهم . العلاقي :- أوافقك بوجود خلل في الفهم والوعي وأيضا غياب التجانس الفكري والفني مع المجموعة. منذ " الميت الحي" وأنا أحاول أن أسهم بدماء جديدة.
قصة حديقة الحيوان " لــ " إدوارد البي" تجسيد " علي القبلاوي وعلي الخمسي " ، برايك ما هو العنصر الذي افقد العرض بريقه ؟
العلاقي :- حكايتي مع النص منذ عشر سنوات. كان الاتفاق مع" البوصيري عبدا لله " ليتم تنفيذه عبر فرقة المسرح التجريبي مع " علي الخمسي " والممثل المصري " محمد طلبة " أوقف العمل طيلة هذه المدة مع سفر الأخير لمصر، بعدها تم الاتفاق مع فرقة المسرح الحر للمشاركة في المهرجان الوطني ، العمل لم يحظى بالوقت الكافي .
عشر سنوات وقت أكثر من كاف؟ العلاقي :- اقصد وقت للتمارين . كانت المشاركة متسرعة و" السينوغرافي " فتحي المحجوب " لم يكن في مستوى الوعي والفهم، ثمة إرباك جعل خروج العرض بهذا الشكل ، إضافة إلى أن النص لم يكن في ذهنية المشاهدين.
هنا تكمن مسؤولية المخرج ؟ العلاقي :- لا ليست مسؤولية مخرج ، بل مسؤولية لحظة فهم ووعي عند المتلقي .
المخرج يملك الحق في إيقاف العرض ، أم أن الظروف الخاصة قد تجبر المخرج لإطلاق عرضه قبل تجهيزه ؟ العلاقي :- لم يكن العرض بهذا السؤ . العرض "كويس" مقارنة بما عرض في المهرجان .
أنا أقارنه بما قدمت تجربتك مثل " الميت الحي " وجالو "؟ العلاقي :- ثمة أشياء جملية في العرض. ماهي الأشياء الجميلة بإستثنا العشر دقائق الأخيرة ؟ العلاقي :- أهم مافي النص العشر دقائق الأخيرة. النص حي منذ البداية، ربما أهم ما في النص كتقنية عنصر التشويق والترقب الذي يلازمنا طيلة الوقت ؟
العلاقي :- العرض المرئي مثلاً. استخدمت هذه التقنية في أعمال " عبدا لله الزروق " . ليست جديدة في المسرح الليبي. العلاقي :- كان لي السبق في هذه التقنية في مسرحيتي "نحن الملك" و" الجانب الوضيء" . ما أقصده هو الازدواجية بين ممثل العرض المرئي وممثل المسرح والتوحد معه.
نأتي لإوبريت " درب الحرية" العلاقي :- لا يمثلني كعمل فقد تورطت فيه بشكل أو بأخر . أخر عمل مع المركز الثقافي الفرنسي ؟ العلاقي :- هي فكرة للشاعر " عاشور الطويبي" الذي عرفني بشاعر الإسكندرية اليوناني " قنستنتين كفافي " اتفقنا على لقاء افتراضي بينه وبين الشاعر " أرتور رامبو ".
أستاذ " محمد " في الفترة مابين ( 1988م ــ 1976م ) الفترة التي واكبتها ، كان ثمة إمكانية لتأسيس دعائم حقيقية لمسرح ليبي، أي أن ثمة إمكانية مادية لضخ إنتاج مسرحي ، فقد أعتمد المسرح التونسي المعاصر على أسماء مثل الفاضل الجعائبي ، محمد إدريس ، توفيق الجبالي الذين كنتم تشاركونهم نفس مقاعد الدراسة في باريس وتخرجتم من نفس الجامعة ودرستم على يد نفس الأساتذة مع رجوعكم لأوطانكم في نفس الفترة تقريباً.
العلاقي :- كنا متساوون الفرق شاسع الآن ؟ العلاقي :- في تونس هناك مجتمع متحظر يرى المسرح ضرورة. أيضا في طرابلس في تلك الفترة كان هناك جمهور مسرحي ، نعم كان هناك جمهور ... ولكن لا يوجد تأسيس . ممنوع التأسيس.
لا يوجد مايمنع... فقد اسست فرقة الزاوية، وأحد أعضاء المسرح الحر الذي يضم خريجي معهد جمال الدين، وخريجي الجامعة، والكفاءات الممتاز، بالإضافة لعضويتك للمسرح الوطني ؟ العلاقي :- اشتغلت بالتحايل على الظروف ، فقد كان الوزير يراقب النصوص ، وفي تلك الفترة أوقفت أعمال مسرحية.
لو أخذنا سيرة أحد المخرجين المؤسسين لوجدناه مر بمثل هذه المعاناة التي لم تمنعه من التأسيس ؟ العلاقي :- نعم .... ولكنهم لم يتدخلوا في تفاصيله الفنية، هناك الوزير يعرف أهمية المسرح أما هنا فلا ، هم أوجدوا صيغة للتعامل مع مؤسساتهم ، نحن مازلنا نعمل بطريقة الهواة.
أستاذ " محمد " لقد صرف على المسرح ما يمكنكم من وضع قاعدة وكيان حقيقيين. العلاقي :- تقاضيت (200) دينار نظير إخراجي مسرحية " الجانب الوضيء. هذا مرده خلاف شخصي بينك وبين رئيس الهيئة العامة للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية في ذلك الوقت. أقصد أن الظروف المادية كانت متاحة والفضاءات المسرحية كانت صحية ولديها قدرة على إنتاج الأعمال برغم هذا كان الإنتاج قليل والتوقف أكثر.
العلاقي :- التوقف كان اضطراري ، فالمخرج ملزماً بإيجاد مبررات لكل ما يفعل، همه التوفيق بين السياسي و الفني . لعبة ضخمة وكبيرة ، لذلك يصعب التفكير في العمل في ظل هذه الظروف " وبذلك مانبيش الجمهور يجيني مرة واحدة ".
لم تتوقف ولكنك عملت في ظل هذه الظروف وكنت مقلا ، فأعمالك لم تتجاوز الأربعة عشرة مسرحية في عمر فني مداه أربعون عاما. العلاقي :- نحن لم نملك ثوابت. مؤسساتنا غير مستقرة مثل مهرجاناتنا ولم نهتم بالتخصصات، ففي ظل هذه المتغيرات وهذا التشتت من المستحيل أن تنتج عملاً ناضجاً فالعملية الإبداعية كاملة بعناصرها ، مع الأسف لم نؤسس.
ألا تعتقد عدم اجتهادنا وكسلنا وافتقادنا لهم مسرحي هو الذي أوصلنا إلى هذه النتيجة ؟ العلاقي :- نعم كل هذا صحيح ، لدينا هم لكنه شفوي ، أنا حاولت أن أؤسس فرقة وأثنين " فرقة الزاوية" و"فرقة الناس" أما الآن .
ربما الإعياء بعد هذه التجربة المريرة ؟ العلاقي :- لعلمك في تلك الفترة .. لقد ضحيت بوظيفتي بشركة نفطية ، كما تعلم أنا من سكان مدينة صبراته ، وأعمل أستاذاً لمادتي التمثيل والإخراج بمعهد جمال الدين بطرابلس ، وكونت فرقة الزاوية.
نتوقف وقت الحصاد . برايك هل ثمة وجود لملمح مسرحي ليبي ؟ العلاقي :- ثمة ملامح لمسرح ليبي ، شرف الدين ملمح ، الأمين ناصف ملمح أخر باعتماده على نصوص باللغة العربية ، إدخال الأغنية في أعمال عبدالله الزروق " البنت اللي قالت لا " ملمح، القمودي في "حوش العيلة" ملمح مختلف. المهرجان الأخير بمدينة البيضاء أنباء على وجود ملمح ليبي من خلال مسرحيتي " الطيب شيطان " الفهم التلقائي للمسرح، و"خرف يا شعيب" لداوود الحوتي.
*******************
هناك تعليق واحد:
لااعرف ان كان هناك ملمح ؟
إرسال تعليق