ملامح من المسرح الليبي ـــ 12
تأليف نوري عبدالدائم
علي القبلاوي
الأحتراف المبكر
“ الأن سنبداء مشوار الألف ميل بهذه الخطوة المتمثلة في فرقة " المسرح القومي " التي تمثل ليبيا لتجسد روائعاً من المسرح العالمي والإنساني ” .
بهذه الكلمات أفتتح وزير الأعلام والثقافة في ذلك الوقت الدكتور " خليفة التليسي " سنة 1966 م " فرقة المسرح القومي " التي كان نواتها عشرة مبدعين منهم " الطاهر القبايلي ، عمران المدنيني ، رمضان نصير ، صبحي المجراب ، محمد شرف الدين ، مختار الأسود ، خدوجة تكيتك ، بشير المبروك ، علي القبلاوي " بإدارة الفنان شعبان القبلاوي.
لم تكن بداية " علي القبلاوي " كباقي زملائه متمرساً في الفرق الأهلية التي يلجاء إليها المواهب للتعبير عن أنفسهم من خلالها بأستثناء عمل يتيم قدمه عند أنضمامه لفرقة المسرح الجديد بإدارة الدكتور " أحمد ابراهيم الفقيه " مع " محمد عبدو الفوراوي " هو مسرحية " الأسطى خربوشة " سنة 1964 م .
أتيحت له بعد ذلك فرصة الانضمام لبرنامج " ركن الهواة " الذي كان يقدمه الفنان " كاظم نديم " بقصيدة " الزوج القاتل " التي مهدت له الأنتساب لقسم التمثيل " بالإذاعة الليبية " مرجعاً الفضل في خطواته الأولى للفنان " عمران راغب المدنيني " والأستاذ " محمد عبدالعزيز العقربي " . في سن مبكرة وهو لم يتجاوز عمره الثامن عشر تقدم "علي القبلاوي " لإمتحان القبول أمام لجنة مكونة من " شعبان القبلاوي ، محمد العقربي ، عبدالحميد المجراب ، سعيد السراج ، عبدالله القويري ، محمد حقيق " بمسرح الغزالة بمقطع من مسرحية " الدكتور فاوست " قدمه له " عبدالله الدناع " . بعد تجاوزه لامتحان لجنة القبول أعتمد "علي القبلاوي " ليكون بذلك أصغر ممثل رائد في عضوية " المسرح القومي " موثقاً مشواره الأبداعي على مدى أربعين عاماً بأكثر من ستين عملاً كلهم تحت مظلة " المسرح القومي _ الوطني / طرابلس.
القبلاوي :- .. باستثناء أربعة أعمال تعاونت فيها مع فرق أهلية . بعد عمل " الأسطى خربوشة " للجديد ، عملت مع " الفرقة القومية " في مسرحيتين هما " اللي تظنه موسى " للاستاذ مصطفى الأمير ، و" بين يوم وليلة " للأستاذ الأمير ومن أخراج د . " حسن قرفال " . وأخيراً " قصة حديقة الحيوان " تأليف " أدوارد ألبي " وأخراج " محمد العلاقي " لفرقة المسرح الحر " ..
كيف كانت بداياتك مع المسرح القومي " ؟ القبلاوي :- بدأنا التدريبات على مسرحية " عطيل " لــ " وليم شكسبير " من أخراج " العقربي " التي أعتبرها دورة حقيقية لي .. مع الأسف لم يكتب لها العرض بعد بسبب وفاة الأستاذ " العقربي " ولم يكتب لها العرض أيضاً حتى بعدما تبناها المخرج المصري " زين العشماوي " واحضار كل مستلزماتها من " ايطاليا " وبهذا كانت باكورة أنتاج المسرح القومي " حسناء قورينا " من أخراج " خالد مصطفى خشيم " وترجمة د . " علي فهمي خشيم " التي شاركنا بها في مهرجان المغرب العربي بمدينة الحمامات بتونس سنة 1968 م وفي نفس المهرجان شاركت الفرقة القومية بمسرحية " حلم الجعانين " لشرف الدين . كما شاركنا في المهرجان الأفريقي بالجزائر بمسرحية " راشمون " للأمين ناصف .
هل تستطيع أن تحدد أهم ملامح " الأمين ناصف " أثناء العمل ؟ القبلاوي :- الأستاذ " الامين " رحمه الله كان مثقفاً و صبوراً و يمتلك مخيلة خصبة كما يمتلك الشفافية العالية وسعة البال ورحابته .. يؤمن بالكيف ... تعلمت منه الكثير . كنا نطلق عليه لقب " ملك المايك " في الأذاعة المسموعة . . كان حلمه قبل الوفاة تنفيذ عمل من تأليف الأستاذ " مصطفى الأمير " .
" الأمين ناصف " يعد خسارة كبيرة للمسرح الليبي .... قدمت معه أيضاً " الزير سالم " . بعدها أتيحت لي فرصة الذهاب لدورة تدريبية في القاهرة بفرقة " المسرح القومي المصري " بإدارة الأستاذ " نبيل الألفي " .
ماذا قدمت لك هذه الدورة ؟ القبلاوي :- كانت فرقة المسرح القومي تضم أهم رموز المسرح المصري " سناء جميل ، سميحة أيوب ، محمد الدفراوي ، محمد عبدالسلام ، توفيق الدقن ، صلاح قابيل ، محمود الحديني " الذين تربطني بهم علاقة ود وتعلمت منهم الكثير أهمها الألتزام والأنصهار في العمل ... طبعاً تعرفت على الفنان " يوسف وهبي " وكنت قد شاهدت له أعماله في بدايات الستينيات من القرن الماضي أثناء مجيئه الى ليبيا ... في الفترة التي كنت فيها في القاهرة أشتركت في سهرة مرئية صحبة الفنان الليبي " محمد نجم " وهو المطرب " عبدالوهاب محمد " من انتاج التلفزيون المصري إخراج " محمد فاضل " بمساعدة " زوجته في ذلك الوقت " أنعام محمد علي " وتاليف الدكتور" أحمد ابراهيم الفقيه " ، بطولة " فردوس عبدالحميد ".
المسرح الوطني في نهاية الستينيات من القرن الماضي الى نهاية السبعينيات كان المؤشر الذي يقاس به الحركة المسرحية في طرابلس وربما في ليبيا لأهمية الأعمال التي قدمها وأهمية أعضائه .... هل تستطيع تفسير سبب الركود الكيفي والكمي الذي اعتراء هذه المؤسسة الأمر الذي أنعكس على بقية الفرق ؟
القبلاوي :- نعم المسرح مر في هذه الفترة بكساد حرمنا فيها على مدى أربعة عشر عاما من المشاركة في مهرجانات خارجية ... ربما المسؤول في الفترة السابقة كان أكثر وعياً لأهمية المسرح.
منذ سنتين وأنت على رأس إدارة فرقة المسرح الوطني أنتجت خلالها ست أعمال مسرحية ، هنا انا اتكلم على الكم، هل تعلم بأن هذا يعد أقل أنتاج في العالم إذا ما قورن بمسارح وطنية ؟
القبلاوي :- نعم هذا صحيح وهذا ينعكس حتى على الأنتاج المرئي .... أنا أخذت دورة في ألمانيا في فرقة " لاندس تياتر " وهي فرقة متنقلة كانت الأجندة تتسع لعشرة أعمال في السنة بأستثنا شهري إجازة وتحضير ، علماً بأن هذه الأجندة تعتمد الأستبيانات وحسب متطلبات الجمهورالمشاهد لهذه الأعمال من مسرح كلاسيكي أو أجتماعي أو تجريبي.
ألا تعتقد بأن الإدارة التي تشرف على المؤسسات الثقافية تتحمل تبعية هذا الركود ؟ القبلاوي :- أنا أختلف معك في هذا الراي . المسألة تتعلق بحركة مجتمع متكاملة وأحتياجات هذا المجتمع ... ربما يرى المتلقي بأن جلوسه بالبيت ومشاهدة المرئية أكثر جدوى من حضوره أعمال مسرحية.
أنت تعلم بأن هناك متلقي متابعاً للحركة المسرحية كما تقر بوجود مبدع صانع لهذه الحركة .... انا أسأل على ركود دام لأكثر من عشرين أو ثلاثين سنة ... هل هذا نتاجه قلة الدعم المادي ؟ .
القبلاوي :- نعم هذا أحد الأسباب .... لايعقل بأنه لايوجد الى الأن قاعة صالحة لعرض مسرحي بالشروط المتفق عليها ، رغم هذا فأن الفرص المتاحة في ليبيا لا توجد في العالم . ما الذي يمنع الفرق الأهلية من الأنتاج كما كانت من قبل وبدون أي دعم من الدولة وعلى نفقة المبدعين الخاصة.
في تلك الفترة كانت أغلب الأعمال واقعية ومتطلبات هذه الأعمال بسيطة .... انت الأن على رأس إدارة هذه الفرقة هل تحمل أجندة عمل للسنوات القادمة ؟ وهل تعتقد بأن أعضاء هذه الفرقة جديرون بأسم المسرح الوطني ؟ .
القبلاوي :- مع الأسف لا ... فقط أستطيع الأعتماد على عشرين عضو والباقون غير جديرون بالأنضمام لهذه الفرقة ... تم تمكين حوالي ثلاثين عضو بالمسرح لسنا بحاجة لخدماتهم . وقتها كنت عضواً في اللجنة التي قبلت هؤلاء الأعضاء
القبلاوي :- لم استطع منع هذا القرار . طلب منا تمكينهم الى حين إيجاد المكان المناسب لهم . وقد قمت بمراسالات بهذا الشان وصلت الى أمين الثقافة .
هل أنت متفائل باستحداث أمانة للثقافة ؟ القبلاوي :- وجود أمانة للثقافة يدعو للتفائل ونحن الأن متعاونون بشكل صحي مع هذه الأمانة وإداراتها التي تشرف الأن على صيانة المسرح.
الم تضع خطة لتقوية الأعضاء من خلال دورات تدريبية او دراسات أو بعثات ؟ القبلاوي :- نعم راسلت الجهات المعنية وتم الأتفاق معهم . ونحن في أنتظار نتائج هذه المراسلات . علماً بأن هذه المبادرة جاءت من أمين الثقافة ... منذ أيام الهيئة العامة للمسرح لم يتم أيفاد أي عضو في دراسة أو دورة .
ألم تحاول مد جسور التعاون بين فرق وطنية عربية أو عالمية ؟ القبلاوي :- انا غير قادر على تحمل تبعية ما ينتج على هذا التعاون .. فانا ليس لدي القرار لمثل هذا التعاون . فالمسرح لايملك ميزانية لتعاون من هذا النوع في الوقت الذي أعجز فيه على صرف مكافاءة أربع سنوات نضير أعمال قدمت .
أنا أريد ان أعرف مكمن هذا التفائل . القبلاوي :- دائما أعتمد الأمل والحلم الذان يعدان من سمات المبدع .
من المخرجين الذين ترتاح بوقوفك امامهم ؟ القبلاوي :- " الأمين ناصف " ضمن المخرجين الذين شعرت بأرتياح تام للعمل معهم ... لقد عملت مع أغلب المخرجين . لقد عملت مع " محمد القمودي " الذي كانت له تجارب مهمة لولا الأنقطاع الطويل .. " عبدالله الزروق " مبدع مجتهد يتمتع بخيال جميل والأن يوجد تعاون بيننا من خلال مسرحية اللعبة " التي أعدها " الزروق " عن " قطة على سطح من الصفيح الساخن " لــ " تنسي وليامز " ... " محمد العلاقي " له بصمته الخاصة . تعاملت في أعمالي الأخيرة مع المخرج " فتحي كحلول .
الممثلين الذين ترتاح بالوقوف أمامهم ؟ القبلاوي :- أنا أرتاح جداً للفنان " عياد الزليطني " ، ياسرني أداء " صالح قراد " تعد الفنانة لطفية أبراهيم " قيمة فنية لن تتكرر . هذه الأنسانة تمتلك الحضور وسرعة البديهة والموهبة لا أعرف عنصر نسائي بهذه القوة على المسرح .. فنانة بمعنى الكلمة .
قدمت تجربتين متباعدتين زمنياً في الأخرج المسرحي ، مسرحية " رقية " عن " مريض الوهم " لــ " موليير " . ومسرحية " علاش ماتعدلش " للمرحوم " الأزهر أبوبكر حميد " كيف تقيم تجربتك كمخرج ؟
القبلاوي :- أرى بأن هناك نوعين من المخرجين . ثمة المخرج ( الأستاذ / المعلم ) مثل " الأمين ناصف " وثمة المخرج الذي يعتمد على الممثل وحدسه الخاص في توزيعه للممثلين بدقة . أنا أعتمدت على الممثل وقدرة الممثل ، ففي مسرحية " رقية " أعتمدت على قدرة " لطفية ابراهيم ، وعياد الزليطني " وفي " علاش ماتعدلش " أعتمدت على قدرة " عبدالله الشاوش " وموهبة " صلاح الأحمر ، وعيسى بلقاسم ، ومحمد ميلاد " . هذان العملان واقعيان ولم أعتمد أي قراءة أخرى حاولت أثناء تواجدي بالقاهرة العمل مع الكاتب " ميخائيل رومان " وبالفعل تم الأتفاق مع على أعداد مسرحية " جيفارا " وأسقاطها على أحداث الشرق الأوسط وبالفعل تم هذا الأمر باستبدال شخصية " جيفارا " بشهداء الأرض المحتلة " كمال عدوان ، وكمال ناصر " ولكن حالت قلة الأمكانيات دون أتمام هذا المشروع .
المسرح الوطني الأن في حالة صيانة للمبنى ألم تفكر في مقر أخر الى حين تجهيز المقر ؟ القبلاوي :- سننتقل هذه الفترة الى مسرح الخضراء للشروع في تدريبات العمل الذي يخرجه " عبدالعزيز الحضيري " وهو مخرج سبق وتعاون مع المسرح الوطني وله دراية بضروفه وإمكانياته ؟
أليس من المخجل بعد تأسيس المسرح الوطني بأربعين سنة والمسرح يشكو من تواضع الأمكانيات ؟
القبلاوي :- نعم مخجل ... هذه الحقيقة ... لقد عملنا بجد وبتحايل على الضروف وقدمنا ثلاث تضاهرت مسرحية لأيام طرابلس المسرحية والأن قادمين على الرابعة ولم تصرف أي مكافاءة للأعمال منذ سنة 2000م . أريد معرفة ماذا تعني لك كلمة متفائل ؟ القبلاوي :- " نقولوا أنشالله " سبق وقلت بأن الأمل زاد المبدع .
ماذا تقول على تأسيس الفرقة الوطنية ... علماً بأنك كنت أحد المتحمسين لأنشاء هذه الفرقة ؟ القبلاوي :- انا لم اكن متحمساً لها منذ البداية بهذا الشان أقول طالما تم تأسيس المسرح القومي سنة 1966 م برعاية الدكتور " خليفة التليسي " الذي مارس مهامه بجدارة وبمكابدة ( أي المسرح ) رغم الركود الذي ساده في فترات مسيرته الأبداعيه . ارى بأنه لاجدوى من إنشاء فرقة وطنية تحمل نفس التوجه بل من الأجدى دعمه مادياً ومعنوياً علماً بأن هذا الكيان مفتوحا لكل المبدعين في ليبيا.
ماهي أجندة المسرح الوطني القادمة ؟ القبلاوي :- الأن سندخل بعمل لــ " عبدالعزيز الحضيري " وعمل من أخراج د . حسن قرفال .... كما أدعوك بالأستعداد للدخول بعملك القادم وسنحتمل بعضنا وسنصل الى صيغة ترضي الجميع وأعدك بأنه لن تحدث الأرباكات التي حدتث في مسرحية " السعداء".
· علي علي القبلاوي مواليد المدينة القديمة بزنقة " سوق الحرارة 1945 م في " حوش شايب العين " رقم " 17".
****************
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق