ملامح من المسرح الليبي المعاصر ـ 4
للكاتب الليبي نوري عبدالدائم
المدنيني بين فضاء الإبداع وقيد الإدارة
في مستهل خمسينيات القرن الماضي وقتها كان الفنان "عمران راغب المدنيني" يقطن هو وأسرته بمدينتة " العجيلات " عندما أستهوته العلاقة بفن المحاكاة وهو في السنة الخامسة الأبتدائية مشاركاً زملاءه التلاميذ في تجسيد حدوثة " عاشق الدهب " التي أختيرت من كتاب المطالعة ، ربما تكون هذه التجربة البكر هي الدافع التي من خلالها عشق روح الأبداع الجماعي حتى بعدما أنتقلت الأسرة الى مدينة طرابلس سنة 1953 م الذي يتمثل في النشاط المدرسي، الصحافة المدرسية والإذاعة المدرسية، في المرحلة الأعدادية بطرابلس وأيضاً دخوله ولأول مرة للإذاعة مقدما فيها هو وزملاؤه الطلبة برنامجاً دورياً " ركن الطلبة " لمدة نصف ساعة بإشراف الأستاذ" عبدالسلام المصراتي".
في مرحلته الثانوية شارك في النشاط المسرحي الذي عادة مايقدم بمناسبة أنتهاء العام الدراسي يذكر منها عملاً قدم عن الفاتح " صلاح الدين الأيوبي " جسد فيها دور " الملك العادل " مشاركاً الفنان " عبدالرحمن قنيوة " الذي فتح له باباً للدخول لقسم التمثيل بالإذاعة الليبية التي أتاحت له فرصة للدراسة في المعهد العالي للموسيقى والمسرح برئاسة الفنان" صالح المهدي " بالشقيقة " تونس " صحبة الكاتب " كامل العراب " ، والموسيقار " حسن عريبي "والملحن " محمد مرشان" والأستاذ " محمد ابوعامر " وأخرون.
ليتخرج بدرجة الإمتياز مع جائزة رئيس الجمهورية التونسية " الحبيب بورقيبة " في ذلك الوقت .طبعاً مازلت تذكر هيئة التدريس بالمعهد في ذلك الوقت ؟.
المدنيني :- نعم .. فالمعهد يضم خيرة المثقفين التوانسة . الأستاذ الشاعر " أحمد خيرالدين " الذي كتب كلمات " ياليبيا ارض الزهر والحنة " وألحان " صالح المهدي " . والأستاذ " محمد الحبيب " ، والأستاذ " حسن الزمرلي " ، والأستاذ " الطاهر كيزة " يرحمهم الله جميعاً .
والأستاذ " محمد عبدالعزيز العقربي " المدنيني :- معرفتي بالأستاذ العقربي منذ مجيئه كأستاذ زائر ليشارك في إعطاء دورة للتمثيل بمدرسة طرابلس الثانوية وبالطبع توطدت العلاقة بعد دخولي للمعهد العالي . عند عودتي لليبيا عينت بصفة مخرج مسرحي ، وبحكم علاقتي مع مجموعة من الشباب أذكر منهم الفنان القدير " محمد الساحلي " و " سالم موسى ، وسالم الشريف ، بشير المبروك " تم إنضمامي للفرقة الوطنية للتمثيل وبدأت بباكورة أعمالي مسرحية " أهل الكهف" من تأليف " توفيق الحكيم " . في تلك الفترة عاد الأستاذ العقربي من جديد الى ليبيا ، وبصفته أستاذي حاولت ترك المجال له لإخراج هذا العمل لولا إصراره على مواصلة العمل بإسمي كمخرج على أن يتولى هو دوره الإشرافي.
المدنيني :- فملصق المسرحية يوضح بأن العمل من إخراج المدنيني بإشراف الأستاذ العقربي .... عرضت المسرحية ست أيام متواصلة بمعدل عرضين لكل يوم ولاقت صدى طيباً حتى أن الناقد " نجم الدين غالب الكيب" رحمه الله، وصفها بأنها تعد نقلة مهمة للمسرح الليبي وهي من بطولة " الطاهر القبايلي " و " الحبيب عمر " رحمه الله.
وسعاد الحداد . المدنيني :- كان أول ظهور لسعاد الحداد بعد عودتها من الشام في هذا العمل باسم " سناء الحريري ". وكانت العضو رقم" 13 " في قائمة " المسرح القومي " الذي أسس بعناية الأستاذ " خليفة التليسي " وزير الأعلام في ذلك الوقت ، وقتها كنت ضمن اللجنة التأسيسية صحبة الأستاذ المرحوم " عبدالله القويري " و" عبدالحميد المجراب " و" الطاهر قليلة " والفنان " محمد مرشان ". وتم تعييني كأول مدير لهذه الفرقة سنة 1965 م التي كان مقرها مسرح الغزالة.
باشرنا التدريبات على مسرحية " عطيل " لشكسبير التي شارفت على العرض ولكنها أوقفت بسبب إندلاع حرب " 67 م " .في هذه الأثناء أي سنة " 1968 م " كلفت بإدارة قسم التمثيل والأخراج بالإذاعة ليخلفني في إدارة المسرح القومي الأستاذ "شعبان القبلاوي".
تذكر السيدة "لطفية إبراهيم" بأنها أنتسبت للمسرح القومي في فترة إدارتك.
المدنيني :- نعم .. فأنا شغلت إدارة المسرح من سنة " 65 الى 68 م " وفي سنة "1970م" كلفت من جديد بإدارة المسرح بالإضافة لقسم التمثيل . فأنت كما تعلم بأن برنامج المسرح القومي في الفترة المسائية في ذلك الوقت ..... لطفية إبراهيم انتسبت في هذه الفترة عن طريق المرحوم " منير عصمان " بعد ماتم الأتفاق مع أسرتها ... في تلك الفترة كنا نشتغل بشكل متوازي في الإذاعة والمسرح وكنا تقريباً أغلبنا أعضاء للفرقة القومية " علي القبلاوي ، الطاهر القبايلي ، إسماعيل ريحان ، عبدالله الريشي ، عبدالحميد حسن ، الأمين ناصف ، الدوكالي بشير،.......الخ. ماهي الأعمال المسرحية التي أنجزت خلال إدارتك للمسرح ؟.
المدنيني :- أذكر منها "وطني عكا" من إخراج الطاهر القبايلي ، "الزير سالم" من إخراج الأمين ناصف " "الصراع" من إخراج الهادي راشد "الأم" من إخراج الحبيب عمر . " شركان في بيت زارا " من إخراجي الى غاية سنة " 1974 م " عندما أنشيئت " الهيئة العامة للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية . قمت بإدارة قطاع المهرجانات و قطاع الموسيقى والفنون الشعبية حتى وصلت الى نائب المدير العام . في هذه الفترة ارسلت الى دورة دراسية الى فرنسا صحبة الفنان " عياد الزليطني " والفنان " محمد شعبان الفيتوري".
عند عودتي حلت الهيئة وعدت الى إدارة البرامج بالإذاعة المرئية . عضو اللجنة الإدارية للأعلام الثوري مكلف بالمسرح والموسيقى والفنون الشعبية ، أمانة الإعلام والثقافة كمديرعام للثقافة ثم رئيساً لقطاع المسرح ثم رئيس قطاع المهرجانات والمعارض الى حوالي 2002 م ثم الى مدير الأدارة العامة للبرامج حتى كلفت مجمع الفتحالثقافي ثم رشحت وانتقلت للعمل بمؤسسة ابن خلدون للإنتاج السمعي والبصري بتونس.
"شركان في بيت زارا"يعد العمل الثاني والأخير في رصيدك المسرحي كمخرج.
المدنيني :- بالمعنى العملي نعم ... ولكني أنجزت مسرحية " حفلة سمر من أجل 5 حزيرن " والتي بنيت على هزيمة " 1967 م " ولكن مفعولها أنتهى مع حرب 1973 م وحكاية العبور والأنتشاء الذي رافق هذا الحدث.
شن حكايتك مع الحروب " ؟ هل تستطيع إيجاد مبرر لقلة رصيدك كمبدع في مجال المسرح مخرجاً وممثلاً؟
المدنيني :- لأنني اتقلد إدارة المسرح ولأننا نعمل بروح الأسرة فقد شاركت زملائي في أغلب أعمالهم .. ومن خلال مسيرتي الوظيفية ساهمت في العديد من المخططات والأشراف على المهرجانات وفي الترشيح للعديد من الدورات في الخارج هذه الوظائف أعتبرها مكملة لمسيرتي الإبداعية . ولكني حاولت تحقيق ذاتي من خلال المرئية والمسموعة.
نعود لمسرحية " شركان في بيت زارا " تأليف " مصطفى بهجت " التي تعد أول مشاركة ليبية في المشرق من خلال مهرجان دمشق المسرحي .. العمل كان طويلاً جداً يصل الى الثلاث ساعات ربما بخيالي في ذلك الوقت وحرصي على التقيد بكل كلمة يقولها الكاتب. هل حقاً بأنكم أثناء المهرجان قمتم بإعادة صياغتها وإختصارها ؟ المدنيني : - العرض الاول قدم كما هو ، أما هذه العملية قمنا بها أثناء العرض الثاني للعمل ... لم تعرض في ليبيا بسبب خلاف بيننا وبين الرقابة التي كانت تحت امرة الشرطة بسبب تاويل بعض الجمل.
هل هذه احدى الدوافع التي ابعدتك عن الاخراج ؟. المدنيني :- ربما تكون أحدى الأسباب ... ولكني كنت مساهماًبشكل فعال مع زملائي. أعتقد الألية المالية كانت أرحب في السبعينيات وبداية الثمانينيات ... هل بالإمكان أيجاد مبرر لقلة إنتاجكم ؟! الدنيني :- أنا قمت بالصرف على بعض المكملات التي تخص مسرحية " الزير سالم " من حسابي الخاص عندما تعذر الصرف من قبل الإدارة المالية. علماً بأن المبلغ لم يتجاوز " الألف دينار " الذي أعيد لي بعد خصم الضرائب .... عرضت هذه المسرحية في مسرح صبراته الأثري وحضرها الألاف ، ثلاثة منهم من أعضاء مجلس قياد الثورة .... ربما تعذر الدفع في ذلك الوقت ولكني أوافقك الرايء الى حد ماء.
مقر المسرح الوطني في ذلك الوقت " مسرح الغزالة " . المدنيني :- خرجنا من مسرح الغزالة بسبب بداية مشروع الصيانة _ الذي لم ينتهي الى الأن... الى جزء من " كاتدرائية" ميدان الجزائر... مسجد الدعوة حاليا.. ثم تم نقلنا الى معرض طرابلس الدولي.
تتقاسم أنت والفنان " الطاهر القبايلي " إنحيازكم الكامل للإدارة على حساب إبداعكم المسرحي .علماً بأن تواجدكم كمبدعين كان من الممكن أن يساهم في تشكيل جيل من الممثلين لإثراء المشهد المسرحي.
لماذا لم ينعكس هذا الأمر على زملائكم في تونس " هشام رستم ، محمد إدريس ، المنصف السويسي ، الفاضل الجعايبي " وكذك الحال مع " أسعد فضة " في سوريا و " كرم مطاوع " و " السيد راضي " في مصر ؟ علماً بأن أخر وقوف لك على خشبة المسرح كان في مسرحية " الصوت والصدى " لعبدالله القويري / ومن إخراج محمد القمودي " سنة 1976 م.
المدنيني :- كان أخر وقوفي سنة 74 م في هذه المسرحية قبل أن يسند دوري للقبلاوي إذا استثنينا اوبريت " درب الحرية " .....أما بشان المقارنة بالزملاء في بقية الدول الشقيقة لم تكن منصفة . فهنالك ثمة شيء من التنظيم فالمبدع هناك يستطيع السيطرة على الوقت وإمتلاكه ، أما هنا فالوقت يتسلل بين أصابعك دونما تدري .... لا أنكر بأن الإدارة سرقت جل وقتي، تعزيتي هنا بأني عملت في مجال له علاقة بالمسرح وإمكانية تطويره وهذا الدور ليس بالهين كما أعتقد .... نقطة أخيرة بأني لم يقدم لي أي عرض مغر بشأن العمل في المسرح .
في فترة من الفترات ثمة أحساس عام يفيد أعتذارك عن أي عمل مسرحي يقدم لك نظراً لمشاغلك الإدارية.
المدنيني :- أنا لم أصدّر هذا الأحساس فهو يخصهم وحدهم علماً بأن كل رصيد أعمالي الإبداعية قدمتها وأنا مناط بمهام إدارية.
قدم لك عرضاً للعمل بالمسرح التجريبي من خلال مسرحية " اوريست يعود الى المنفى " بإدارة وتأليف " البوصيري عبدالله " ومن إخراج المسرحي اللبناني " طلال الدرجاني " وقتها كنت أنا مخرجاً مساعداً في العمل. وثم أعتذاركما بدماثة انت والأستاذ " علي الخمسي " لعدم وضوح الموازنة المالية .. وهذا أراه حق من حقوقكم..
المدنيني :- أنا ألتزمت بالتدريبات المبدئية صحبة المرحوم " الأمين ناصف " و" علي الخمسي " و" خدوجة صبري " . ولكن الهاجس المادي يعد أخر أهتماماتي.. بالأساس الدور ومن ثم ندخل في التفاصيل الأخرى التي تشكل نفس الأهمية هذا الأمر مقابل جهد وخبرة فأني أرفض مبداء الهبة والصدقات في الحالة الإبداعية . . أحب أن أقول بأن الشرط الأول والمخرج الذي استطيع التعاطي معه على الخشبة في هذه الحالة لا يمكن إلغاء القدرة الأنتاجية.
لو توفرت الأن هذه الشروط وتم التعامل معك كممثل محترف ومتعاون حسب اللائحة فما ردك؟
المدنيني :- اللائحة الحالية مجحفة ولا تكاد تذكر ... أعني لائحة المسرح والإذاعة.
بإعتبارك شاهداً على الحركة المسرحية منذ أكثر من أربعين عاماً من المخرجين الذين تود العمل معهم من جديد. المدنيني :- انا أستطيع الحكم على المخرجين الذين شاهدت أعمالهم ، وددت التعاون مع المخرج " فتحي كحلول " في مسرحية " قطار الموت " ولكني لأسباب نجهلها لم نوفق في هذا الأمر . أتمنى عودة "القمودي" للعمل معه ... طبعاً " الطاهر القبايلي ، وعبدالله الزروق " .أما بخصوص جيل الشباب فلا أجد أي حرج للتعامل معهم لو استوفيت شروط النص والرؤيا المسرحية.
الرؤيا الشفوية قد لا تكفي بنسبة خمسين بالمئة . المدنيني :- ربما أكثر.
نفترض بأنك وافقت على هذه الرؤيا المحكية وأثناء التطبيق وقت التدريبات أكتشفت العكس .
في هذه الحالة هل تختار الإنسحاب من العمل ؟ . المدنيني :- ستنعكس هذه الحالة على كل المشاركين في العمل وليس وحدي وفي هذه الحالة سيكون أنسحابي مبرراً ... " انا مش عارف أنت تلف وتدور لوين تبي توصل " من حيث المبداء أنا ليس لدي أي عقدة تجاه أي صوت واعد جديد.
في الإذاعة تعاملت مع جيلك فقط . المدنيني :- المسموعة نعم ولكن المرئية تعاملت مع أجيال كثيرة بعدي أذكر منها المرحوم " عثمان الشويخ " في بداياته. أخيراً انت مديراً لأيام طرابلس المسرحي . هل نستطيع أن نستشف رأيك في الأعمال التي قدمت من خلالها. وما دورك أنت كمدير لهذه الدورة؟.
المدنيني :- تتمثل مهمتي من الناحية التنظيمية والشكل العام . أما العروض التي قدمت من خلالها فهي تخص الفرق وحدهم وتخص اللجنة التي أجازتها ... نعم نلاحظ في أعمال الشباب الواعدة كثرة الإيقاعات التعبيرية التي أعتبرها نوعاً من " التنفيس الشبابي " . كان تعاوني تصبغها روح الود مع والفنان " عبدالله الزروق " رئيس الدورة ، والأستاذ " سالم سلطان " أمين اللجنة الشعبية للإعلام والثقافة بشعبية طرابلس ...مع الأسف ثمة ركود يصيب الحالة المسرحية الليبية لقلة الإمكانيات ، ماذا يساوي " ألف دينار " لكل فرقة مسرحية ؟ بودنا الأهتمام بالبنية التحتية المتمثلة في هذه الفرق وهؤلاء الشباب التي ستنتج دونما شك مبدعين يشاركون في إثراء الحياة المسرحية الليبية.
أخيراً ... هل ثمة شيء تم تجاوزه ... او هل ثمة سؤال يجول بخاطرك؟
المدنيني :- نحن تجاوزنا كل الخطوط .... سؤالي متى تنتهي هذه المقابلة؟ لك الكلمة الأخيرة في هذا الأمر. المدنيني :- أقدر عالياً ماتقوم به " مجلة المؤتمر " ... أشكرك وأشكر الأستاذ " أحمد السيفاو " على هذه الفسحة ..... دائما أؤمن بالقدرة الإبداعية الليبية ولكن هذه القدرة بحاجة للعناية والرعاية والمتابعة والمسألة فيما بعد. انا عندي أمل بأن يتحقق هذا الحلم.... وهو امر ليس بالمستحيل.
******************
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق