السبت، 19 يونيو 2010

الفنان محمد أبورونية

رحيل الصمــت

( الفنان محمد أبورونية )

بقلم بعيو المصراتي

"كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ"

بكل الأسى والحزن تلقيت خبر وفاة الفنان " محمد ميلاد أبورونية " بعد صراع طويل مع المرض، تلقيت هذا الخبر المؤلم بعد أسبوع من وفاته أو أكثر، هكذا هم فنانونا المخلصون بعطائهم لفنهم وتفانيهم وحبهم له يرحلون عن هذه الدنيا بصمت وهدوء، دون أن نسمع عنهم لا من قريب ولا من بعيد، حتى في وجود هذا الفضاء الإعلامي الكبير وهذه المواقع الإخبارية في الداخل والخارج، وهذا الكم الهائل من المدونات المنتشرة والتي جميعها تهتم وتبحث عن الخبر الليبي، ولكن يبدو أنها تتناقل الخبر الموجود أصلاً علي صفحات النت، أما الخبر الذي يجب أن يكون من عين المكان، فلا وجود له في قاموس هذه المواقع والمنتديات وحتى تلك المدونات.

الفنان محمد أبورونية له تاريخ طويل وسنين متواصلة من العطاء في كل مجالات الفن وجميع إبداعاته، فـكان لمسرح السبعينيات من القرن الماضي، دورا عظيم في بدايات هذا الفنان القدير، حيث كانت البداية بمسرحية "المرشال" مع الفنان المرحوم محمد الكور، وتوالت بعدها الأعمال نذكر منها علي سبيل المثال لا الحصر :-

مسرحية "هو وهي والشيطان" والتي كانت من تأليف وإخراج الفنان محمد شرف الدين، ومن إنتاج فرقة حمدي. ومسرحية "ملحن في سوق الثلاثاء" وهي من تأليف الفنان المرحوم الأزهر أبو بكر أحميد، ومن إخراج منصور عاكف وتحت إشراف المخرج محمد العلاقي ومن إنتاج المسرح الوطني ــ طرابلس. ومسرحية "المشروع" وهي من إنتاج الفرقة القومية ــ طرابلس. ومسرحية "باب الفتوح" من إنتاج المسرح الوطني – طرابلس وهي من تأليف يسري الجندي وإخراج الفنان فتحي كحلول. ومسرحية "الجانب الوضيء" من تأليف الكاتب المرحوم عبد الله القويري وإخراج محمد القمودي. ومسرحية " الزلزال"، "طريق السلامة "، "ملحمة درب الحرية"، "فوق العادة"، "غناوة حب"، "مرمر زماني"، والعديد من المسرحيات الأخرى التي لم تدون أو لم يتطرق لها أحد. فتاريخ المسرح الليبي من جانب المسرحيات التي قدمت والفنانين المشاركين في تقديم عروضها، غير متوفرة علي مستوى الكتب الليبية، ولا حتى على مستوى المدونات الشخصية على صفحات الإنترنت، وربما حتى على مستوى البحوث المقدمة داخل الأماكن المتخصصة لذلك كالجامعات، أو في أقسام المسرح أو الأعلام أو في كليات الفنون بشكل عام، وهذا كل ما أنا على دراية تامة به وأتمنى أن أكون مخطئ في ذلك.

لقد قدم الفنان "محمد أبورونية " – رحمه الله - الكثير من الأعمال الدرامية، وذلك حسب ما أتيحت له من فرص، وهي تعد قليلة مقارنة بالسنوات التي قضاها في هذا المجال، رغم ما كان يمتاز به من "كرزمة" و "كاركتر" يؤهله إلي لعب العديد من الأدوار بأنواع وأشكال مختلفة وفي أعمار مختلفة أيضاً، نظراً لملاحمه المميزة والغير متوفرة كثيرا في وجوه الفنانين والممثلين الليبيين، ولكن للمخرجين تقديراتهم ونظرتهم وللحظ دور في هذا الأمر وكذلك قلت الأعمال المطروحة أو لنقل ندرتها أو إنعدامها حالت دون الاستفادة من هكذا فنان، لو استغلت مقدراته وطاقاته الفنية لكان أضفي الكثير والكثير علي دراما أسمها " الدراما الليبية "، وهذا الحال ليس على هذا الفنان فحسب بل أنه ينطبق على عددٍ من الفنانين الليبيين القدماء المحاربين والصامدين في هذا المجال. وها نحن بين اليوم والآخر ولا يمر وقت طويل وإلا ونسمع عن مغادرة أحدهم إلي العالم الآخر، تاركاً ورائه فراغاً كبيراً لا بديل له على الساحة الفنية عندها نقلب أيدينا ونصفقها متحسرين، لنقول كان فنان. أسماء كثيرة رحلت عنا الفنان "محمد أبورونية"، "شعبان القبلاوي"، "علي القبلاوي"، "عبدالسلام البكشي"، "محمد الساحلي"، "عبدالله الريشي"، " محمد الشويهدي " وغيرهم من الفنانين الذين لم يبخلوا بجهدهم أو وقتهم تحت أي ظروف أو ضغوط، رحمهم الله جميعاً وأسكنهم فسيح جناته وعوضنا فيهم خيراً.

كانت أخر الأعمال التي شاهدتها للفنان "محمد أبورونية"، وعرضت على شاشة التلفزيون الليبي، مسلسل "قبل فوات الأوان" من تأليف الفنان مصطفي المصراتي، وإخراج الفنان محمد الزنتاني، وقد أداء دوره باقتدار وإقناع وهنا نلاحظ إجادة الفنان عندما يكون في الدور المناسب والعمل المناسب، فيبرز موهبته ويعطي للدور حقه، وأحياناً يتغلب علي الشخصية نفسها، ويظهر ما في جوف وأعماق الشخصية، وكأنك أمام واقع معاش وليس عملاً درامياً.

وللفنان "محمد أبورونية" تاريخ طويل في الأعمال الدرامية المختلفة، من منوعات رمضانية ومسلسلات وسهرات وأعمال للأطفال وغيرها. فكانت البداية مع المخرج الكبير "حسن التركي" الذي آثر المكتبة الفنية بكثير من الأعمال الدرامية، فقدم معه "إرشادات صحية"، ثم كانت له مشاركات مع المخرج المرحوم الهادي راشد، والذي هو أيضاً آثر المكتبة الفنية بأعمال كبيرة وإمكانيات متواضعة جداً وقيمة جدا في نفس الوقت، فقدم معه مسلسل "فارس النجعين"، ومسلسل "الصحراء جنتي"، ثم كانت له مشاركة في مسلسل "الثمن" وهو من تأليف الكاتب المرحوم مصطفي الأمير، وإخراج محمد مختار بن عيسي في أول أعماله، وكان هذا العمل في 18 حلقة عرض منه 4 أو 5 حلقات ثم أوقف لأسباب مجهولة ومتضاربة الأقوال فيها، وراح مجهود الفنانين أدراج الرياح. وشارك الفنان محمد أبورونية في الأعمال الرمضانية، التي ينتجها التلفزيون الليبي عندما كان الإنتاج عن طريق الاستمارات، أو عندما تغير إلي عقود يتولها ما يسمي بــ تشاركية وفي هذه الأخيرة أنت وحظك في الأجر. فكان له منوعة بعنوان "على المكشوف" مع الفنان علي البوزيدي، ومشاركة في منوعة "ميعاد الناس" لفرقة المسرح الجامعي 1983م، أما بالنسبة لي أنا شخصيا فقد كانت لي مشاركة وحيدة مع الفنان "محمد أبورونية" في مسلسل "بنات مختار"، من تأليف الكاتب المرحوم "مصطفي الأمير"، وإخراج المخرج "محمد الزنتاني" سنة 1993م.

أعمال أخرى شارك فيها الفنان "محمد أبورونية" منها "إشارة استفهام"، "أصيلة"، "هاوينا"، "شاور عقلك"، "رمضان في الميزان"، "حكاوي"، وغيرها من المشاركات الكبيرة والصغيرة، فقد كان – رحمه الله - لا ينظر إلي حجم الدور من حيث عدد المشاهد أو عدد الورق المطبوع، فحاله حال أي فنان ليبي آخر، ليس لديه الكثير من الاختيارات لممارسة إبداعاته الفنية والتمثيلية، وإذا حدث وإن رفض أي دور فهناك من يقبله وبلمح البصر، وبذلك يتم اجتيازه وبكل سهولة، وليس في ذلك العمل فقط بل يستمر هذا العقاب في كل الأعمال التي تليه، وهكذا هو الحال في تقديم الأعمال بالنسبة لكل الفنانين الليبيين، وهو مستمر إلي وقتنا الحالي " أنت وبختك " أو أنت وشطارتك أو ربما أنت معارفك.

لذلك كانت الإذاعة المسموعة المكان المفضل لتحاشي كل هذا الإحراج، وكذلك لتمكين الممثل وبقائه في الصورة داخل الوسط الفني لأي أعمال أخرى قد تظهر بين الحين والأخر، فكانت للفنان "محمد أبورونية" مشاركات فيها وخاصة في ذروة إنتاجها في شهر رمضان، حيث نتواجد جميعاً للمشاركة في أعمال مثل سلسلة "قصة وآية" من تأليف الأستاذ عبد اللطيف الشويرف، وإخراج المرحوم محمد الشويهدي والفنان عمران المدنيني، وسلسلة "علي هامش التاريخ" من تأليف عمر رمضان، وإخراج الفنان عياد الزليطني وغيرها من الأعمال الاجتماعية كـ "برقيات " من تأليف الفنان محمد أبو عامر، وإخراج الفنان علي الخمسي.

وفي السينما كان للفنان " محمد أبورونية " مشاركات مختلفة، ففي فيلم "الرسالة" كانت له مشاركة مثل باقي الفنانين الليبيين، وكذلك له مشاركة في الفيلم الليبي "تاقرفت" من إخراج الفنانان خالد إخشيم ومحمود عياد إدريزة، وشارك مع المخرج عبد الله الزروق في فيلم "معزوفة المطر" وهو من تأليف الفنان نور الدين الرايس، وفيلم "المنفيون"، وفيلم "الوجه الأخر للقمر"، وغيرها من المشاركات في أفلام وثائيقية تجسد مرحلة من مراحل التاريخ الليبي.

أما مشاركات الفنان "محمد أبورونية" في المهرجانات المسرحية، فهي محدودة سواء على المستوى المحلي أو على المستوي الخارجي، فعلى المستوى المحلي شارك في جميع المهرجانات المحلية للمسرح بداية من المهرجان المسرحي الأول سنة 1970م، إلي المهرجان العاشر سنة 2008م، كذلك مشاركاته في التظاهرات المسرحية والمواسم المسرحية بمختلف أنواعها ومسمياتها.

أما مشاركاته في المهرجانات الخارجية منها مشاركة في المهرجان الإفريقي الذي أقيم بالجزائر عام 1976م بمسرحية "الجانب الوضيء"، وفي مهرجان دمشق للفنون المسرحية 1988م بمسرحية "باب الفتوح"، وبمختلف المهرجانات التي كان المسرح الوطني ــ طرابلس يشارك بها.

لقد قدم الفنان "محمد أبو رونية" – رحمه الله - مشوار فني حافل وزاخر بالعطاء في مختلف المناحي الفنية، دون أي كلل أو ملل، هكذا هو المبدع الفنان "محمد أبورونية "، رغم كل ما قابله من انتكاسات و إحباطات وتجاهل وتهميش، لكنه داوم على العمل وممارسة إبداعاته الفنية بكل جد واجتهاد، لأنه كان يرى أن الفنان وخاصة الفنان المسرحي مسكون بالإبداع والمقاومة، مقاومة كل ما يعترض طريق مسيرته الفنية حتى لو ألم به المرض، فلابد من المقاومة وهذا ما حدث معه طيلة فترة مرضه، حتى وافته المنية، رحم الله الفنان "محمد أبورونيةوأسأل الله العلي القدير أن يتغمده بواسع رحمته وأن يجعل مثواه الجنة، وأن يكتبه مع الكرام البررة، وأن يغفر له ولنا الذنوب والخطايا أنه غفور رحيم، وأن يلهمني و أهله وذويه وكل أصدقائه وزملائه الفنانين وغير الفنانين الصبر والسلوان، إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ".

****************


هناك تعليق واحد:

Nasimlibya `√ يقول...

البقاء لله انا هنا وانت هناك والاخبار تاتى متاخرة رغم تصفحى للاخبار فلم يصلنى الخبر


رغم ان المقام لا يحتمل ولكن اهنئك بالبعد او الفضاء الرابع مرحبا باطلالتك الافتراضية فى انتضار اطلالات تلفزية