السبت، 22 مايو 2010

سعاد الحداد .. جيل الرائدات

ملامح من المسرح الليبي المعاصر ـــ 7

تأليف نوري عبدالدائم

سعاد الحداد

جيل الرائدات


حضورها في تلك الفترة في أواخر الستينيات من القرن الماضي لم يكن مجرد سد ثغرات غياب الحضور النسائي في المسرح الليبي فحسب ، بل قطعت خط العودة على الرجال الذين يجسدون الأدوار النسائية ونهائياً . فحضورها بعد رائدة المسرح الليبي بسنوات قليلة " الفنانة " حميدة الخوجة " وبصحبة صديقتها الدائمة الإذاعية والممثلة " فاطمة عمر ، والمرحومة فاطمة عبدالكريم / ببنغازي " وفاطمة وعائيشة الحاجي " اللواتي لم يواصلن المسيرة ، وأخريات غيرهن ، لم يكن سد فراغ لمرحلة أنتهت فقط ، بل يعد فتحاً حقيقيا للمسرح الليبي أشبه بالفتح الذي أحدتتاه الممثلثان الفرنسيتان الممثلة " أدريان " في مطلع القرن الثامن عشر ومواطنتها " سارة برنار" ( 1844 _ 1932 م ) في المسرح الفرنسي . فحضورهن عبد طرقاً كانت محفوفة بألغام المجتمع ردهاً من الزمن . فلولاهن ..... ومن أين سندري متى ستنتهي هذه المرحلة ؟

لم تكن الصدفة وحدها التي قادت ضيفتنا " سعاد الحداد " الى خشبات المسارح السورية حيث إقامتها كمهاجرة هناك شأن العديد من الأسر الليبية . ولكن حدس المخرج الليبي الكبير " صبري عياد " الذي تربطه صداقة ودودة مع والدها هو الذي قاده اليها وهي في مستهل صباها ، عندما رشحها لتشارك في مسرحية " قيس و ليلى " . التي قدمتها " فرقة مصرية زائرة " من بطولة الفنان " حسين رياض " لتشارك في فعاليات " معرض دمشق الدولي

* سعاد :- تغيب الفنانة " فاطمة رشدي " أخت " شادية " هو الذي أتاح لي هذه المساهمة التي كانت عبارة عن قراءة أربعة أبيات من الشعر ... لكن الحادثة التي لم تفارق ذاكرتي عندما قال لي الفنان الكبير " حسين رياض " :- " يابنتي انت غاوية مسرح يعني غاوية فقر " .... وقتها تقاضيت على دوري مبلغ خمسون ليرة سورية وهذا اول اجر اتقاضاه في المسرح الذي يعد مبلغاً لا بأس به .

كعائلات مهاجرة.... كيف كان نمط الحياة السائد فيما بينكم ؟

* سعاد :ــ نحن كنا نشكل عائلات المغاربة التي هاجرت الى سوريا مع بدايات القرن العشرين " عائلة القابسي ، وبن موسى ، والباجقني ، والحمروني.....الخ " كانت تربطنا دونما شك أواصر طيبة فقد حملنا الوطن في قلوبنا وعلى أكفنا صحبة تقاليدنا وعاداتنا في أفراحنا والأتراح . الأمر الذي لم يمنعنا من الإندماج في نسيج المجتمع السوري الذي أستقبلنا بود خالص .

المهاجرون الليبيون أنتجوا العديد من الأسماء المبدعة الفنانة " نجاح حفيظ " والفنان " ياسين بقوش " وأنت و " صبري عياد " و " فاطمة عمر " فيما بعد

* سعاد :- " نجاح " كانت جارتي وهي من أسرة ليبية تنتمي لعائلة الحمروني و" ياسين بقوش " ينتمي لعائلة من مدينة صبراتة " صبري عياد " بعد عودته لأرض الوطن سنة 1969 م قدم مسرحية " وتشرق الشمس من جديد " التي شاركنا بها في مهرجان المغرب العربي .

التي لاقت صدى طيباً في ذلك المهرجان . حتى أن الفنان الجزائري " مصطفى كاتب " قال : - " إذا كان ثمة ممثلة في المغرب العربي لكانت سعاد " لم أسمع بأي تكريم من المؤسسات الثقافية لهذا المبدع "

* سعاد :- بينما الإذاعة السورية أفردت أسبوعاً كاملاً لأعماله إثر وفاته ...... نتمنى لزوجته الشفاء . نعود للشام ماذا قدمت مع " صبري عياد " ؟ سعاد : - الأستاذ " صبري عياد " كان مؤسساً لفرقة أهلية لا أذكر أسمها التي قدمنا من خلالها مسرحية وطنية دعما لحرب الجزائر . القضية الأكثر حضوراً في قلوب الملايين في ذلك الوقت إسمها " ابن الجزائر" مع الفنان " طلعت حمدي " الذي كان في بداياته وهي من تأليف وإخراج " صبري عياد " . كما عملت مع الفنان " محمود جبر " في مسرحية " الضرة مرة " كانت بدايات تشكيل المسرح العسكري في سوريا ...... الأستاذ صبري كان دعمأ ومبرراً لإستمراريتي أمام والدي الذي يحترمه كثيراً.

هل مازلت تحتفظين بعلاقات مع مبدعين من الشام ؟

* سعاد :- علاقة ود وصداقة مع " منى واصف " ، و "طلحت حمدي " و "عبد الرحمن ال رشي " ، والمخرج "البير كيلو " الذي قدم لي عرضاً دائماً للعمل معه .... ولم أذهب طبعاً.

عودتك لليبيا كانت في بداية الستينيات من القرن الماضي من الممثلاث اللواتي سبقنك في هذا المجال؟

* سعاد :- كانت عودتي سنة 1965 م وجدت أمامي الفنانة " حميدة الخوجة " .. كانت بدايتي مع الوطنية في مسرحية " أهل الكهف " من إخراج " عمران راغب المدنيني ".

الأستاذ " شرف الدين " يسند إخراجها للمرحوم " محمد العقربي" ؟!.

* سعاد :- كان الأستاذ " العقربي " أستاذاً ل" عمران " فقام بالأشراف على سير العمل ولكني لا أنكر مجهود " عمران " كمخرج . فالمسرحية من إخراج " عمران راغب المدنيني" وبتث على الهواء عبر إذاعة الملاحة.

عملت مع عمران في مسرحية " شركان في بيت زارة " مع المسرح القومي " الوطني حالياً ".

* سعاد :- نعم ..... فقد شاركنا بها في الدورة الأولى لمهرجان دمشق الدولي.

ولكنها لم تلقى صدى في هذا المهرجان حسب علمي ؟!!.

* سعاد :- كانت طويلة يانوري " أطول من ليلة من غير قمر "...." أعقبتها بضحكة ثم أضافت " .... كان بإمكان المخرج أختزالها وتشذيبها... وكم قلنا هذا .... عملت أيضاً مع الوطنية في مسرحية " غرام يزيد " من إخراج " العقربي".

كان تواجدك مع بدايات تأسيس المسرح القومي " الوطني" وعملت مع العديد من المخرجين ، العقربي ، الأمين ناصف ، خالد مصطفى خشيم ، عمران المدنيني ، الطاهر القبايلي.

* سعاد :- أين " الطاهر القبايلي " الأن ؟ عملت معه " وطني عكا " وكان عملاً متقناً وجيداً ... ليته لم يتوقف ..... الطاهر" كسلان" .

أخرج مؤخراً مسرحية " عريس لبنت السلطان " ... نتوقف عند " الأمين ناصف".

* سعاد :- عندما قدم لي الأستاذ " الامين ناصف " نص مسرحية " الزير سالم " لألفريد فرج . اخترت دور "سعاد " الذي حفظته وكنت جاهزة للعرض ... الى ان اسند لي الاستاذ " الأمين " دور " الجليلة " بعد اعتذار زوجة الفنان المصري " زين العشماوي " واسند دوري للفنانة " لطفية ابراهيم " التي كانت عنصراً جديدا في المسرح الوطني ولعبت الدور بإتقان ملفت للنظر ..

هل ثمة مايقال للطفية ؟ * سعاد :- " شن بنقول ...خسرناها مظبوط ... خسارة لطفية.. لطفية عفوية ... ممثلة بمعنى الكلمة " قيلت هذه الجملة بحسرة ".

كما خسرناك انت في الساحة المسرحية .... نعود للأمين .

* سعاد :- كان مجتهد في عمله وفنان حقيقي ..... في مسرحية " راشمون " أختار هو الدور لي ..... " الأمين " كان من أكثر المخرجين الحريصين على عملهم .

تتقلدين الأن ريئاسة إدارة التمثيل والإخراج خلفاً للأستاذ " محمد ماهر فهيم " ... .يبدو أن عملك في الإذاعة كمخرجة مرئية ومسموعة إضافة لحضورك فيها كممثلة أبعدك فترة من الزمن عن المسرح لا تقل عن الخمسة عشر سنة .

* سعاد :- أريد هنا أن أنقل تمنياتي بالشفاء والصحة للأستاذ " ماهر فهيم " الذي من خلاله أطلعت على روائع " المسرح العالمي " في السلسلة الإذاعية " من المسرح العالمي " التي كان يعدها ومن إخراج " عمران المدنيني " ..... فقد كانت بدايتي مع المسرح متزامنة مع عملي الإذاعي _ مسموع ومرئي _ وبحكم وضيفتي في الإذاعة..... إلا أن االفترة التي ذكرتها كنت متفرغة تماماً للإذاعة المرئية والمسموعة تمثيلاً وإخراجاً .

بعد هذا الغياب عدت مع " فرقة المسرح الليبي " بعمل ل "البوصيري عبدالله " تأليفاً وإخراجاً ، وهو من الأعمال التي تظل في الذاكرة " لعبة السلطان والوزير " مع عدم حظها في العروض.

* سعاد :- هذه هي المشكلة الحقيقية ... ليست هنالك استمرارية في العروض فالمبدع يقوم بالتجهيز للمسرحية ستة اشهر و سنة ثم تعرض عرضا أو عرضين. المشكلة ليست من الجمهور مشكلتنا في الإستمرارية.

هذه المشكلة ليست جديدة .... مثلث ليبيا في الأسبوع الثقافي اللليبي بالكويت في النصف الأول من السبعينيات من القرن الماضي بمسرحية " الصوت والصدى " من إخراج " محمد القمودي " وتأليف " عبدالله القويري " استقبلتها الصحافة بحفاوة يليق بها نصاً وعرضاً ، رغم أشفاق أحد الصحفيين عليكم من طول الحوار.

* سعاد :- نعم كان يعنيني انا وعلي القبلاوي ..... كان عملاً جيداً ..... أذكر جيداً عنوان لأحد المقالات التي كتبت " الصوت لسعاد الحداد من ليبيا والصدى في الكويت ".

أغلب أعمالك باللغة الفصحى . هل هذا مرده طغيان اللكنة الشامية على لهجتك بخلاف " فاطمة عمر " مثلاً ؟!

* سعاد :- فاطمة عادت طفلة الى ليبيا بينما أنا أنهيت دراستي الثانوية بالشام . رغم هذا فقد لعبت العديد من الأدوار باللهجة المحلية .... حتى إني عملت مع المرحوم " عبدو الطرابلسي " و " حسن التركي " في السانية " و " حمل الجماعة ريش " مع محمد القمودي " و " شكسبير في ليبيا " للمرحوم " الأزهر ابوبكر حميد".

أخر عمل مسرحي لك كان مع المخرج " فتحي كحلول " في مسرحية " السندباد " تحت مظلة " المسرح الوطني / طرابلس " ... من يعجبك من الأجيال التي بعدك؟

* سعاد :- أنا أشتغلت مع " فرقة المسرح الحر " في مسرحية "العادلون " للمخرج المصري " أبوضيف علام " ...... خدوجة دائماً حاضرة ومجتهدة وودودة وتدافع على الحركة المسرحية بكل ماتملك ...كما أحترمها لتواجدها الدائم مع الفنانة " حميدة الخوجة ".

وأنا أحترمها في هذا الجانب ، فثمة علاقة خاصة بينها وبين حميدة أشبه بعلاقة أمومة.

* سعاد : - .... أنا لعبت دور الأم أمام أغلب الممثلين الليبيين فكنت أم لعلي الخمسي ، وعياد الزليطني ، ومحمد بن يوسف وكنت أماً حتى للأمين ناصف منذ بداياتي وأنا أمثل دور الأم.

نستطيع القول بأنك أم الممثليين الليبيين" لم تخف سعاد سرورها بهذا اللقب " ... عاصرت الفرق الأهلية في الستينيات والسبعينيات أي فرقة كانت تتمتع بالحضور الأكثر في الساحة المسرحية و الجماهيرية؟

* سعاد :- لكل فرقة أجندتها الخاصة في تقديم برنامجها ، ولكن تظل " الفرقة القومية " تحظى بالحظ الأوفر من هذاالتواجد .... نعود لحميدة الخوجة " التي أبهرتني في تقديمها لدور " جولدامائير " مع هذه الفرقة في مسرحية " دوختونا " مع " شرف الدين والأمير " . كم كان عمرك في ذلك الوقت؟

* سعاد :- والله لا أذكر " شن تقصد ؟ " أطمئن فالسنة القادمة أبلغ سن التقاعد ؟ وساحتفل بعيد ميلادي الستين.

اللهم صلي على النبي ... مايبانش عليك " .. ماذا قدم لك الفن وأين تجدين نفسك ... وهل جملة المرحوم " حسين رياض " مازالت تلاحقك؟

* سعاد : - أجل ... مازلت تلاحقني كلمة الفنان " حسين رياض " ... ولكن متعة الفن لا تضاهيها أي متعة ففيه أجد نفسي ويمدني بإحساس التصالح مع الذات ... وأجد نفسي مع المسرح.

لمن تقرأين ؟ * سعاد :- قرأت عيون المسرح العالمي في مرحلة متقدمة ، قرأت ل " عبدالله القويري " و" كامل المقهور " يرحمهما الله . و يعجبني " مفتاح العماري " ويوسف الشرسف " و " البوصيري عبدالله " ، كما أقراء ل " منصور أبوشناف " الذي أتمنى بأن يتفرغ للمسرح فنحن بحاجة إليه

مشاريعك المستقبلية ؟ * سعاد :- أنا الأن أمر بفترة فراغ وعندي رغبة شديدة للعمل المسرحي . أعتبر هذا وعداً منك للعمل مع أي مخرج هنا أو بنغازي ..... أضافة لعملك الإذاعي ماذا تمارسين؟

* سعاد :- أمارس رياضة المشي لا تقل عن الساعة يومياً ، وبحكم مهنتي صرت مدمنة أخبار التي أهدتني " السكر " مع دخول الأمريكان للعراق . هذا التاريخ لا ينتسى من ذاكرتي.

تستقبل المؤتمر السنة الثالثة لصدورها .... هل تريدين بأن تقولي شيء؟

* سعاد :- أنا لأول مرة التقي بهذه المطبوعة فهي مجلة شاملة وفيها الكثير من الثراء .... حتى إني استغرب عدم تواجدها في مكتبة صوت أفريقيا.

تاريخ " سعاد الحداد " الإبداعي جعلها محط تقدرير وتكريم في العديد من المناسبات فقد تحصلت على وسام الريادة في عيد الوفاء كأول مخرجة مرئية ، كما كرمت من قبل معهد جمال الدين الميلادي ، أكادمية الفنون ، جامعة الفاتح ، اللجنة الشعبية للأعلام بشعبية طرابلس في أيام طرابلس المسرحية ، مهرجان المسرح التجريبي بالبيضاء ، مؤتمر الساحة الخضراء .
**************

ليست هناك تعليقات: