السبت، 8 مايو 2010


"تمن بنات"

عمل مسرحي أنثوي

يدين الواقع متكئا على المعجم اللغوي

عرضت في مسرح البلد في العاصمة عمان


سميرة عوض

حضرت ثنائية المرأة والمرآة في العرض المسرحي " تمن بنات "، بوصفهما وجهين يعبران عن ' البنت / المرأة '، وبصفتها أي ' المرآة ' شاهدة حقيقية على انتقال الطفلة عبر مراحلها العمرية المختلفة، إذ بدأ العرض مع أغنية شعبية قدمتها ' الطفلة تولين الساكت ' ممسكة بمرآتها الصغيرة سائلة إياها ' يا مرايتي يا مرايتي.. قوللي مين الأحلى؟... أنا وإلا أنت؟ ..أنت والا أنا؟.. إنت أنا.. وأنا أنت...' وهي الأغنية التي تلتقي مع المتصوفة وتحديدا.. عندما تنشد لانا الناصر في مشهد لاحق.. مقولة المتصوفة الأشهر ( أنا من أهوى.. ومن أهوى أنا)، كما ظهرت في وقت لاحق ( الحية / الأفعى) كدلالة ثنائية مع ( حواء / الأنثى) في رمزية إلى المعاناة / الخلق.

أثاث قليل لكنه معبر، توزعته خشبة المسرح مرآة صغيرة، مرآة كبيرة ' نزعت مرآتها وظل إطارها' توسطت ديكور المسرحية، كومة طوب، ثلاث ستائر بيضاء شفافة، اثنتان منها على جانبي المسرح، والثالثة تتوسطهما، إضاءة خافتة، بيانو، أصوات تلهج... بمفردة (...ات).. قبيل العرض المسرحي.. مستلهمة (...ات) - هي دلالة جمع المؤنث السالم - الذي قدم على مسرح البلد ومدته ( 45 دقيقة) في العاصمة الأردنية عمان وعلى مدار ثلاث ليال احتشدت بجمهور كبير من الرجال والنساء ومن كافة الفئات العمرية.

أما " تمن بنات " فتأخذ دلالتها من المعنى العددي ثماني ( عدد البنات القائمات على المسرحية)، ومن ' تمن' بالعامية والتي تأخذ معناها السلبي من ' تمن البنت ' بالعامية، أي ' سعرها...' بحسب مخرجة العرض لانا الناصر.

ويذكر أن الفنانة لانا الناصر التي تولت صياغة النص والإخراج لمسرحية " تمن بنات "، تحمل شهادة ماجستير في دراسات الوعي والأحلام، وبكالوريوس علم نفس، وفنانة عالمية تعبيرية، مخرجة ومصممة كوريغراف، كاتبة، ممثلة وراقصة، تجمع في عملها بين اللغتين العربية والانكليزية والفن المعاصر والميثولوجيا.

تطرق العرض إلى أسئلة ومعان ٍ مرتبطة بالمرأة، ما يفرضه عليها المجتمع وما تفرضه عليها طبيعتها باحثةً عمّا يكملها من خلال علاقتها الخارجية، وما ينتج عن هذا من انكسار وجراح، تجد التكامل في مكان آخر، استطاع العرض تجسيد جزء من معاناة المرأة في كل زمان ومكان، من خلال تسليط الضوء على ما يفرضه المجتمع على المرأة، وما تفرضه هي، لتكمل علاقتها الخارجية بمحيطها، وما يتبع ذلك من انكسار وجراح وآلام، جعلت صوتها حبيساً في داخلها، فالطفلة تولين الساكت صورت حالة البحث عن الذات واكتشاف النفس، وكانت نتيجة ذلك الضياع، كمصير حتمي للقهر الذي تعيشه المرأة.

وشكلت المسرحية لوحة خاصة لألم المرأة العام والمطلق، منوّهة في الوقت ذاته إلى اختلاف هذه المعاناة من مجتمع لآخر، ناسجة مشكلات المرأة في كل مكان، وحاولت تسليط الضوء على إحداهن وهي المرأة العربية.

من جهتها تؤكد الناصر أن عملها لم يأت من فراغ، فالمادة الخام والعمل النَصي كان من إنتاج فريق العمل، الذي اجتمع لعدة أيام، ليستنبط هموم المرأة ومشاكلها وقناعاتها وآلامها الباطنية.

أخرجت المسرحية موسيقياً ديمة بواب، وأداء كل من: تولين الساكت، ديما بواب، شيرين زعمط، لانا الناصر، مجد حجاوي، ندين شهوان، بالإضافة إلى عزف البيانو المرافق لزينة عصفور، وتركيب صوت لتولين توق.

وجاء تصميم الأزياء لكرمة حجاوي، وتنفيذ الديكور لخميس أبو نجمة، ومشاركة فنية لنتاشا دحدلة، نهلة طباع، ومي لصوي، والإضاءة والصوت لشركة مروان أبو جابر.'

بالتأكيد أفادت الناصر من دراستها لعلم النفس، وماجستير دراسات الوعي والأحلام، مما ساعدها في التوغل في' النفس الإنسانية، وسبر أغوار الناس وأفكارهم، لتقدم كل شخصية هواجسها وأحلامها ' ومخاوفها وآمالها، وحتى مشكلاتها النفسية، لتكون الشخصية مقنعة وفي نفس الوقت تترك أثرها على الشخوص الأخرى. ولأن العرض جاء بعد ورشات عمل، جاء مختلفا على مستوى الشكل والمضمون، ذلك أننا في ورشات'العمل، كل فنانة قدمت رؤيتها حول كينونة المرأة، وقدمت حكايتها، أو ما تريد تقديمه على المسرح. من هنا جاءت النصوص المشتركة، التي قامت بصياغتها النهائية، وتعلل الناصر بقولها: ' لان دراستي فيها الفلسفة وعلم النفس، والتاريخ، والعلوم الإنسانية، وحتى الأديان، من هنا جاء النص/ العرض محملا ً بالدلالات الرمزية، إذ استخدمنا أسطورية الأفعى، والتفاحة وغيرها.

نص المسرحية اتكأ على المعجم، واستفاد من شعر المتصوفة، ومن التراث الشعبي كما في أغنية ' مرايتي يا مرايتي'، ومن الغناء المعاصر إذ تم توظيف أغنية ' يا يما ' لطارق الناصر، وبدا واضحا الاشتغال على النص في هذا الإطار مما منح ' العرض' المصداقية، وجزالة بلاغة اللغة المنبثقة من الثقافة التي تمزج بين الأدبين الشرقي والغربي، ومن هنا تم اختيار مفردات تصف الحب ودرجاته في التراث العربي، مع تتبع الجذر اللغوي لها. كما جرى الحفر عن المعاني العميقة في عوالم اللغة، والتي لا يعرفها كل الناس وهي تشرح دلالات النظرة إلى المرأة' من خلال مفردات الحب، وطبيعة العلاقات بين الذكر والأنثى.

كما لعب الديكور المسرحي قليل الأثاث دلالته في إيصال رسائل النص، فضلا عن تعدد العرض الواحد من خلال عروض جانبية خلف الستائر، وفي زاوية المسرح كانت فتاة تبني سورها حولها، ترافق مع عزف بيانو حي في الزاوية الأخرى، كل ذلك يتكامل ويتقاطع مع العرض الرئيسي على الخشبة تعبيراً عن واقع تعيشه شرائح مختلفة من النساء، بهدف تقديم النقد الاجتماعي، والتعبير عما تريد المرأة تحقيقه، من آمال وأحلام تهدف إلى' تحقيقها تارة أخرى، ومن هنا تعدد التعبير على المسرح، وهو يعبر عن المواهب المختلفة' للفنانات المشاركات في العرض، الذي جاء ثمرة بروفات متواصلة الخروج على ' التقليدية '، فكل فنانة قدمت الشكل الذي تريد' طرحه، في سياق متوازن سمعيا وبصريا، مع أحداث وجماليات العرض التي اكتملت على خشبة المسرح والبروفات المتواصلة، وروح الفريق الواحد.

ويضم فريق " التمن بنات " كـُلا ً من الطفلة تولين الساكت، أبرز دورها حالة البحث عن الذات واكتشاف النفس، وهي طفلة في السابعة من عمرها، تحب التمثيل والموسيقى والغناء، وتدرس الدراما وترقص الباليه وتحلم بأن تصبح نجمة.

أخرجت المسرحية موسيقياً ديمة بواب، كما وظفت موهبتها في الغناء الاوبرالي والتي جاءت أساسية في العرض. وبواب خريجة المعهد العالي للموسيقى والرقص في باريس، تخصص غناء أوبرا ومسرح، لها مشاركات عديدة في أوروبا والوطن العربي. تقيم حاليا بين باريس وعمان.
الممثلتان شيرين زعمط ومجد حجاوي تناولتا عودة الإنسان لتجارب الشخصية، كما جسدتا دوري ' إنسانتين' خسرت كل منهما ' حبيبا'، وظلتا معلقتين بين نسيانه وبين مواصلة التفكير به.

وزعمط خريجة الجامعة الأردنية بكالوريوس تمثيل وإخراج، معلمة دراما، كما أن حجاوي ممثلة شاركت في فيلم ' جرعة زائدة ' الحائز على جائزة أفضل فيلم في مهرجان عمان للأفلام القصيرة 2005.

وندين شهوان، مغنية أوبرا تخرجت من المعهد الوطني للموسيقى في الاردن، كما درست في معهد منهاتن للموسيقى. وجاء عزف البيانو المرافق لزينة عصفور، وهي درست علم الموسيقى في السوربون في باريس، والبيانو في ترينيتي كوليدج في لندن، والايكول نورمال في باريس.
وتركيب الصوت لتولين توق، وهي تجمع بين الصورة المرئية والمسموعة، شاركت في العديد من الورش الفنية، والإقامات في الأردن وفلسطين ومصر وبريطانيا. تصميم الأزياء أنجزته كرمة حجاوي، وتنفيذ الديكور خميس أبو نجمة، ومشاركة فنية لنتاشا دحدلة، نهلة طباع، ومي لصوي، والإضاءة والصوت لشركة مروان أبو جابر

ويذكر أن ' آت' هي مجموعة فنانات أردنيات من تخصصات متعددة يهدفن إلى توفير فرص للفنانين (والفنانات خاصة) بالمشاركة في العروض الفنية في المجالات المتعددة، والتوعية بقضايا المرأة من خلال الفن، وورشات العمل، كما يسعين إلى تشجيع التواصل بين الثقافات من خلال استضافة فنانات ومتخصصات من الشرق الأوسط والعالم إلى الأردن والسفر إلى الخارج للتعاون وتبادل الأفكار.

كما يهدفن إلى تشجيع الفتيات والشابات على التعبير الإبداعي عن النفس، والتفكير الناقد والرمزي من خلال لغة الفن. وتهدف ( آت) ايضاً إلى تشجيع الأطفال والشباب والشابات على تطوير مهاراتهم الفنية، وقد عمدت المجموعة إلى إنشاء ( صندوق أحلامي) لتقديم الدعم المالي والمعنوي للفنانين الصغار.
*************
عن القدس العربي

ليست هناك تعليقات: