الخميس، 25 فبراير 2010


الفرجة المسرحية في التظاهرات الاجتماعية الليبية

(الاحتفال بالمولد النبوي في طرابلس)

بقلم/ بعيو المصراتي


في خضم الاحتفالات الدينية الاجتماعية في ليبيا وفي مدينة طرابلس تحديداً، نرى فرجة بصرية منظورة أمامنا والمسمى "بالحضرة" وتتكرر هذه الفرجة عاما بعد عام منذ عصور زمنية طويلة، حيث يلتقي فيها ويواكبها حشدٌ من مختلف الأعمار (الطفل- الشاب- الشيخ) والنساء بزغاريدهن ورشهن ماء الزهر على تلك المشاهد "الفرجوية" من على شرفات بيوتهن.

هذه المشاهد الحياتية الفنية الإبداعية "الحضرة"، تخرج في الغالب إلى هذه الصورة تلقائياً، حيث تجمع الكم الهائل من الحضور في مظهر احتفالي بذكرى المولد النبوي الشريف، وتمر عبر شوارع وأزقة مدينة طرابلس، فنرى من خلالها حالات فنية مرئية تأخذ شكل الفعل الواحد في كل مكان تتواجد فيه، من ضرب على الدفوف وطرق الإنشاد من ابتهالات دينية و ذكر في صورة فن الموشحات والمألوف، وكذلك وحدة اللباس المتمثلة في الزي الليبي التقليدي المتوارث منذ قديم الزمان بفخامته وجمال منظره وروعة صناعته.

هذه المشاهد التلقائية المتفرقة والرائعة في مدينة طرابلس، والمسماة "بالحضرة" والتي نشاهدها في هذا الزقاق وهذا الشارع وذلك الحي، تعطي فرجة ولوحة مسرحية، لو حددت بهذه الصيغة وهذا الوصف لوجدنا بأنها قد توفرت فيها كل متطلبات الفرجة المسرحية، من مشاركة اجتماعية فعالة، ومن طرق الأداء الواحد، ومتعة العرض وتوفر المشاهد، وكذلك وحدة المكان والزمان.

هذه المشاهدة "الفرجوية" المسرحية ما يميزها ويعطيها هذا الطابع الجمالي الفريد ويزيد من روعتها، بأنها لا تعرض في يوم واحد، بل أننا نجدها تستمر لمدة لا تقل عن سبعة أيام في عروض خارجية، وتكتمل المشاهدة في عرض داخلي في مكان ما يسمى "بالزاوية" ويطلق عليها اسم "الختمة"، وهذا اليوم أي يوم "الختمة" من الضروري أن يكون يوم الخميس ليلاً، وهذه "الختمة" تعتبر لوحة فنية أخرى، ونتيجة لاختلاف المكان وطريقة الأداء المسرحي بها، فهي بالتالي تعطي مشهد فرجوي آخر.

لقد عرف الليبيون عدة تظاهرات احتفالية متنوعة، عبر عصورهم التاريخية المختلفة، كانت الأشكال الدينية والاجتماعية والشعبية تأخذ فيها شكل الفرجة والالتقاء والتسامر والتواصل، كل هذه التظاهرات كانت تعطي للمشاهد الشكل المسرحي بالمفهوم الذي نعرفه، كما أن هذه الفرجة نراها متأصلة في العنصر البشري منذ العصر الحجري، حيث تشمل مختلف أنواع الفنون كالغناء والرقص ودق الطبول في الأعياد والأفراح وغيرها من المناسبات الاجتماعية الأخرى.

وأود الإشارة هنا بأن هذه التظاهرات الاجتماعية والدينية، والتي تدخل في إطار المسرح الفرجوي (سابق الذكر) هي من تقع تحت موروث الحركة الصوفية الدينية، وأنماط أخرى تسمى بـ العيساوية و العروسية.

لهذه التظاهرات العديد من المناسبات والأشكال المختلفة فمثلا هناك فرجة أخرى تأخذ منحنى آخر في احتفالات الليبيين مثل "الشيشباني" والذي نراه في أيام عاشوراء من كل عام، وهو يقدم فرجة يشارك فيها الأطفال وتعطي شكلا مسرحياً مختلفا بملابسة التي يرتديها وحركاته الرشيقة المتناغمة.

إن هذه التظاهرات الاجتماعية والدينية، بعد مرور كل هذه الفترة الزمنية عليها، أصبحت في وقتنا الحاضر ونتيجة للمتغيرات الاجتماعية وربما السياسية، والتي طرأت على المجتمع الليبي سنة بعد أخرى، كان لها تأثير كبير على اندثار هذه العادات أو نسيانها وربما تناسيها، أو تحويلها من قبل بعض رجال الدين إلى بدعة، حين دخلت تحت مظلة الحلال والحرام.

ولكن تبقى هذه التظاهرات الدينية والاجتماعية، تصارع من أجل أن تبقى مناسبة احتفالية يلتقي فيها الأصدقاء والأحباب كل سنة، يبتهجون ويتسامرون ويعيشون لحظات رائعة قلما تجدها في مكان آخر، وهي في نفس الوقت أيضاً وكما ذكرنا تعتبر فرجة مسرحية طبيعية تلقائية، يحتاجها الإنسان الليبي لتناسي مشاكل الحياة ومفردات العصر التي تعتصره وتملأه بالمآسي والهموم.

أذكر القارئ إن المواطن الإنسان الليبي، مازال يحن إلى ماضيه بكل ما مر عليه من معاناة وقسوة، حيث أنه يجد من خلال هذه العادات المتوارثة، الراحة لمشاعره النفسية والعاطفية التي تأخذه في فضاء آخر ينزوي ويعيش فيه ومن خلاله في حالات من التجلي بعيدا عن معاناته اليومية وصخب الحياة وصراع البقاء الذي لا ينتهي، لذلك لابد من الاستراحة مع هذه التظاهرات الروحية لهذا المحارب، لتعطيه مزيدا من الطاقة للاستمرار في هذه الحياة.

أما عن نفسي، لقد افتقدت هذه التظاهرات والتي كنت مواظبا عليها وأحضرها باستمرار رفقة الأصدقاء الفنانين (الأستاذ مصطفى المصراتي- المرحوم محمد الساحلي- والمرحوم سالم بوخشيم – وعبد الرزاق بورونية).

مع تمنياتي للجميع بذكرى مولد سعيد، وكل عام وأنتم بخير.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات: