السبت، 10 أبريل 2010

المسرح العربي والتراث

المسرح العربي والتراث

محمد هاشم صوصي علوي

من مسرحية أبن دانيال

مسرحية "رحلة أبن دانيال" للكاتب المغربي المسكيني الصغير، إحدى المسرحيات الذي إستحضر فيها التراث العربي، ليكون شاهداُ علي عن ما مرت به الأمه العربية من إنتكاسات وهزائم، وأنعكاساته علي ما يحدث في الوقت الحالي، من إحتلال لللأرض العربية والتنكيل بالشعوب من قمع وقتل وتشريد، إنه واقع الحال الذي لا مفر منه، المسرحية من إخراج المخرج المغربي يحي العزاوي، وقمنا بإنتاجها بالمسرح الحر ـ ليبيا في ديسمبر من عام 1990م.*

الطاهر الطويل

صدر الفنان المسرحي المغربي محمد هاشم صوصي علوي كتابا بعنوان ' المسرح العربي والتراث: المسرح المغربي نموذجا' ( 150 صفحة من القطع المتوسط)، تطرق فيه إلى الأشكال التراثية في المسرح العربي عموما والمغربي خصوصا، من خلال نصوص اتخذها الكاتب نماذج للتحليل: ' أهل الكهف' لتوفيق الحكيم، ' البلغة المسحورة' لأحمد الطيب العلج، ' امرؤ القيس في باريس' لعبد الكريم برشيد.

والكتاب في الأصل بحث أكاديمي نال به المؤلف ( الذي هو في الوقت نفسه كاتب ومخرج وممثل مسرحي) دبلوم المعهد الملكي لتكوين أطر ( كوادر) الشباب والرياضة سنة 1985، وذلك تحت إشراف الدكتور محمد سبيلا.في تمهيد الكتاب يقول صاحبه محمد هاشم صوصي علوي: ' على مدى السنوات التي أمضيتها في ممارسة المسرح كعاشق هاوي بالدرجة الأولى، أو كمحترف بالدرجة الثانية منذ سنة (1967)، عايشت عدة نكسات شهدها الوطن العربي، وهزت أركان المثقف العربي من الصحراء المغربية إلى صحراء العراق، أو من البحر إلى البحر كما يقولون، حيث ذاق المواطن العربي مرارة الهزيمة، واشتم رائحة الخيانة، وشعر بالمهانة والعار يسريان في جسده كما يسري السم في الدسم والدم. منذ ذلك الحين، انبلجت ثورة غضب عارمة، ترجمتها إبداعات المبدعين والمسرحيين والروائيين والأدباء والشعراء، رغبة منهم في التخفيف من آلام الشعوب العربية والإسلامية التي أحست حينئذ بالغبن والإحباط والظلم والمهانة.. منذ ذلك الحين، ونحن نحاول قدر المستطاع التعبير عن غضبنا ورفضنا للهزيمة، حيث ظلت طموحاتنا وتطلعاتنا إلى الانتصار ورد الاعتبار إلى وطننا الجريح من المحيط إلى الخليج هي الهدف الأسمى.

وهكذا تحولت أقلام جيلنا إلى بنادق ومدافع رشاشة، وتحول حبرنا إلى دم يغلي ويجري ويفور... إلى بركان يرمي حممه ويثور.. فكان العطاء والألق والإبداع يترجم معاناتنا ويضمد جراحنا، سواء على خشبة المسرح أو على صفحات دواوين الشعر وكتب الروايات والقصص والمسرحيات والمقالات، وعلى مستوى كافة وسائل التعبير بمختلف أنواعها وأشكالها. ..وذلك كله للحفاظ على الهوية والأصالة والتشبث بالجذور خوفا من الانبطاح والتبعية والاستسلام والاقتلاع... ولذلك، عدنا نتأمل ماضينا لنستلهم منه الدروس والعبر وعدنا إلى حاضرنا لاستقراء أخطائنا كي ننهض من جديد نحو بناء مستقبلنا.. مما جعلنا نغوص في أعماق التاريخ وعبق التراث، محاولين التسلح بحبنا لأوطاننا وأنسيتنا ووحدتنا وقوميتنا، مما انعكس على كل الأعمال الإبداعية التي اعتمدت أسلوب التحريض والفضح والتعرية لواقعنا المعاش البئيس.

وتابع المؤلف قوله: ' منذ ذلك الزمن البعيد القريب، بدأت رحلتي مع التراث والمسرح أو المسرح والتراث، وخاصة عندما استعمله بعض المبدعين كقناع للتستر وراءه هروبا من مواجهة الواقع، ومواجهة بطش وجبروت الحكام في زمن غابت فيه الحريات وانعدمت فيه ( مبادئ) الديمقراطية الحقة. ورغم ذلك، لاحظنا من جهة أخرى توظيف التراث عند البعض لاستنهاض الهمم والاستفادة من الموروث الشعبي ومن التاريخ والأسطورة والأسماء والرموز... مما عمق لدي الرغبة في كشف أغوار علاقة المسرح العربي والتراث. فكانت النتيجة هذا المجهود الفكري الذي أهدف من خلاله إلى الإسهام في إغناء النقاش والحوار من طرف الدارسين والباحثين المهتمين بمجالي المسرح والتراث'.

ومن بين النتائج التي خلص إليها صاحب البحث من خلال رحلته الطويلة مع الموضوع أن أغلبية المتعاملين مع التراث قطعوا مراحل مختلفة، فهناك مرحلة وظف فيها التراث بطرق ساذجة وعشوائية، بينما وظفه آخرون للتجريب وتحبيب المسرح للجمهور العربي الذي لم يألف هذا الفن الجديد، وفئة أخرى تعاملت معه عن وعي وإدراك ووظفت التراث من أجل إثبات الذات والهوية، في حين هناك من استغل التراث هروبا من مواجهة الواقع المعاش للإنسان، نظرا لغياب الديمقراطية في جل الدول العربية وكبت حرية الرأي والتعبير في هذا القطر أو ذاك.

تتصدر الكتاب مقدمة بقلم الكاتب والمنظر المسرحي الدكتور عبد الكريم برشيد، بعنوان: ' جماليات المسرح وجماليات التراث.. كاتب وكتاب وقضية'، يشير فيها إلى أن مؤلف الكتاب محمد هاشم صوصي علوي ( وهو مسرحي من جيل السبعينات) عاش المسرح بكل جوارحه، وتنفس المسرح هواء نقيا في الزمن الجميل، وفكر في المسرح وبالمسرح عبر عقود طويلة من العطاء، وناقش قضايا هذا المسرح بمحبة وعشق، ومن خلاله ناقش قضايا الناس، وعبر عن اهتماماته الشخصية وعن هموم كل الناس بهذا الفن ـ العلم الذي يسمى المسرح، وكانت له في ساحته صولات وجولات كثيرة، ولم تكن الهواية لديه إلا نافذة ومدخلا، لأنه أضاف إليها المعرفة العلمية، سواء من خلال الكتاب والمجلة، أو من خلال انتسابه إلى المعهد الملكي للشبيبة والرياضة، أو من خلال التدريبات المسرحية المغربية والعالمية، أو من خلال اشتغاله بالمجال التربوي والثقافي، الشيء الذي جعله يكتسب خبرة مهمة من الحياة اليومية، أهلته لأن يكون قريبا جدا من الناس، وقريبا من المسرح في نفس الآن.

ويوضح أن قضية الكتاب تتمثل في علاقة هذا المسرح الذي نؤسسه اليوم بالتراث والذي قد يصبح غدا جزءا من تراثنا الفكري والإبداعي كما هو الشأن بالنسبة للثقافات التي ترسخ فيها هذا الفن المسرحي، وأيضا، هو علاقة هذه اللحظة التاريخية الحية بكل ذلك الذي كان، وبكل ذلك الذي له وجود في الذاكرة والوجدان الآن، والذي يمكن أن نعيد تمثله وقراءته بأكثر من عين وبأكثر من طريق ومن أسلوب.

ويتابع قوله إن هذا الكتاب ينطلق من نقطة أساسية ومحورية وحيوية، والتي تتمثل في ضرورة الانطلاق من النحن، ومن الآن، ومن الهنا، ومن ضرورة الإحساس بالذات المبدعة والمفكرة، ومن الإيمان بقدرتها على العطاء والخلق والابتكار، ولقد اقتنع هذا الكاتب الباحث بأنه لا يمكن القبض على هذه الذات الجماعية إلا من خلال القبض على ذاكرتها الجماعية، والتي تتمثل أساسا في عبقريتها الكامنة في اللغة وفي التاريخ، وفي الحكي الشعبي، وفي الأزياء، وفي العمران، وفي الأمثال والحكم، وفي الأغاني والأهازيج، وفي الرقص الشعبي، وهو لا يعتبر هذه النحن كيانا مغلقا على نفسه، بدليل أنه ( اعتنق) المسرح، واختاره منهجا في العيش والفن، وفي عوالم هذا المسرح لا وجود إلا للنحن التي تحاور الآخر، والتي يحاورها الآخر، والتي لا تكتمل إلا بوجود هذا الآخر، والتي تؤمن بالتعايش وبالتساكن وبالحوار وبالحق في التعدد والاختلاف.

ويختم عبد الكريم برشيد التقديم بالإشارة إلى أن كتاب ' المسرح العربي والتراث' جزء أساسي وحيوي من مشروعنا النهضوي الكبير، وهو التفاتة إلى الخلف بخطوة واحدة، وذلك من أجل التقدم خطوات كثيرة وكبيرة إلى الأمام، وهو مساهمة مسرحي مغربي ـ عربي في صناعة هذا المسرح الذي لا يمكن أن يتأسس ـ وبشكل حقيقي ـ إلا بإعادة قراءة التراث، المغربي والعربي والكوني، قراءة جديدة ومتجددة، ومن خلال هذا الكتاب أيضا، يعيد الكاتب طرح نفس الموضوع القديم ـ الجديد للبحث والنقاش، وهو رد على كل الذين يقولون بنهاية التاريخ في المسرح وبنهاية التراث أيضا.
**************
* كتبها بعيو المصراتي
عن القدس العربي

ليست هناك تعليقات: