السبت، 10 أبريل 2010


مسرح ومسرحيون ومقاهي (2 )

بقلم/ بعيو المصراتي

عن العربة والذاكرة

مع الفنانة هدى عبد الطيف، والفنان عيسى المعداني ومجموعة أعضاء المسرح الحر في مسرحية غالية*

العربة في مفهومها العام والمتعارف عليه، هي تلك الأداة التي تساعد بني الإنسان في التنقل من مكان إلي أخر، وفي السفر من هذه الناحية إلي نواحي أخرى بعيدة كانت أو قريبة، وتساعده في حمل أثقاله ما ظهر منها وما بطن وما خف منها وما ثقل، تتجول به أين ما يريد وكيف ما يشاء، فالإنسان هو مخترعها ومطورها وراكبها وأحيانا حاملها. وللعربة أنواع وأشكال وأحجام، الكل يمكنه أن يقتنيها حسب ما يحتويه جيبه من إمكانيات مادية، وكذلك حسب توفرها في الأسواق، ثم بعد ذلك يدخل أيضاُ الذوق في اختيارها، هذه هي العربة في تعريفها العام.

أما العربة المقصودة، والتي نحن بصدد الحديث عنها في هذا المقال، أو الحكاية، أو الدردشة، أو أي تسمية يمكن أن نطلقها قد تفي بالغرض وتحقيق المهمة، هذه العربة هي عربة الزمن، عربة الذكريات، تتجول بنا في الأماكن التي نريدها، أو تلك التي نبحث عنها، أو التي نحتاجها لاسترجاع ذاكرتنا، هي عربة لها أشكالها وأنواعها وأحجامها، نأخذها معنا أينما ذهبنا، ننام وتبقي يقظة لا تنام، تعيش وتتعايش معنا تصح معنا وتمرض معنا، تكبر وتموت معنا.

عربة الذاكرة حاضره معنا دائماُ في كل كبيرة وصغيرة، منها الغث ومنها السمين، منها المليئة بكل ما هو مفيد، تسرد لنا القصص والحكايات، فيها المتعة والتسلية والإفادة، مخزون لا ينتهي وعربة لا تمل. وهناك عربة جوفاء خاوية، تضيع وقتك ووقت الآخرين فيما لا يسمن ولا يغني من جوع، فالعربة ترسم لنا ملامح صاحبها عندما تجلس معه وتتعرف إليه، أو تقرأ له شيئاُ في كتاب أو مقال على صفحات الإنترنت، ذلك "الإعلام المفتوح" لكل العربات بدون استثناء، بجميع أنواعها وأشكالها وأصنافها، و لك حرية الاختيار فيما تختار "أنت وبختك".

في ذاكرة الفنان المسرحي والمبدع والمثقف والأديب، استرجاع واستذكار عميق لعربة الذاكرة، تلك العربة المستعدة دائماُ للحضور سواء أثناء العملية الإبداعية أو الأدبية، أو في الأعمال التي قدمها هذا الفنان وذاك المبدع، على المسرح في هذه المدينة في المدارس، في الجامعات، في المصانع، أوفي المهرجانات والاحتفالات وغيرها من الأماكن هنا وهناك.

وتزداد عربة الذاكرة حيوية ونشاط عندما يكون المبدع والفنان، خارج الوطن وفي غربته، فالعربة تعمل بكل طاقتها وجهدها، لتدخل في غور ذاكرة هذا الفنان، باحثة عن كل شاردة وواردة تثري كل كبيرة وصغيرة، من شوارع، أزقة، حارات، وجوه مبدعين وفنانين ومسرحين، خشابات المسارح، العروض التجريبية الأولى، فشل العروض ونجاحها، الكراسي الفارغة، الانتكاسات، الإحساس بالذنب أحياناُ لضياع سنين العمر على ركح المسرح، في بلدان لا تقدر المسرحين ولا الفنانين، والإهمال المتعمد من قبل من يسمون أنفسهم مسئولي الثقافة، وأصحاب السلطة.

وهنا تأخذنا عربة الذاكرة إلى المقاهي، مقاهي المدينة ، مقاهي المبدعين والفنانين والأدباء، تلك اللقاءات والحوارات والجدال مع الأصدقاء والأحباب، ورائحة القهوة العربية "كما نسميها" المطحونة والمخلوطة بأبهى أنواع الطيب، الذي يزيدها نكهة فترفع من درجة إبداع المثقفين والفنانين، في ظل حالات الضياع والانتكاسات، التي يعيشها المسرحي والمثقف والمبدع والتي تعيشها المدينة.

أكتب مقالي هذا وأنا في أحد مقاهي مدينة مانشستر المنتشرة في كل مكان، أحتسي قهوتي وأشم عبقها في كل الأرجاء أسمع قرقعة الفناجين وآلة طحن القهوة تعزف موسيقاها مع الأصوات المتناثرة هنا وهناك، ومن نوافذها أشاهد أجواء المدينة والطقس الغائم والأمطار، ومع هذه الأجواء تأخذني عربة الذاكرة لأحاديث الصديق المرحوم الفنان "سالم أبو خشيم" في ثمانينات القرن الماضي، عندما كان يروي لنا عن مقاهي الستينيات في مدينة طرابلس، مقاهي لقاء المبدعين والفنانين، وكيف كانت تلك المقاهي بأجوائها وتصاميمها الراقية، من طاولات وكراسي تشدك إليها دون ملل أو ضجر، وروائح القهوة الزكية تأخذك عندما تطأ أقدامك الشارع الذي به ذلك المقهى، فجأة وبدون مقدمات العربة توقفت، لأجد نفسي في مقهى أخر ومدينة أخرى، بلد أخر وزمن أخر، أختلف عنه ويختلف عني، سنين مرت في لمح البصر كأنها بالأمس، ولكن واقع الحال يقول غير ذلك.

المقاهي الأدبية والثقافية تبقي صامدة ثابتة، فهي ملتقي الإبداع والثقافة والفن والسياسة والناس والشعوب، طالما هناك من يرعاها ويحافظ عليها، ويعتبرها إرثاُ ثقافياُ وأدبياُ شأنها شأن أي موروث تحتويه المدينة، يتوارثه الأجيال جيلاُ بعد جيل، معرفا بتاريخ المدينة وتاريخ مبد يعيها. المقاهي الأدبية والثقافية تبقي صامدة طالما لم تعبث بها أيدي السلطة، أيدي القمع والقهر والبطش، لمحو ذاكرة المدينة ذاكرة الوطن، ولخرس أفواه المفكرين والأدباء والكتاب والمثقفين، عيون هذا الوطن وعيون أهله ومواطنيه، لتنير لهم الطريق في ليالي مظلمة تخيم فيها غربان الصمت.

في الوطن العربي هناك مقاهي صمدت طويلا وناضلت من أجل البقاء، رغم الظروف السياسية والاجتماعية والدينية التي مرت بها هذه المقاهي، مثل مقهى "الفيشاوي" بقاهرة المعز فهو مقهى الفنانين والمثقفين، مقهى التاريخ والزمن رغم التعديلات التي صاحبته، فتحول الآن إلى مقهى سياحي شعبي يعرّف بالمدينة والناس والفنانين. وهناك مقهى "لاكوميدي" في الدار البيضاء بالمغرب، بالرغم من ظروف هدم المسرح البلدي وما كان له من تأثير على هذا المقهى، ثم مقهى "الهورس شو" ببيروت وظروف الحرب الأهلية الطاحنة التي أثرت فيه، ومقهى الغزالة "الخضراء" بطرابلس الغرب، رغم الظروف والمتغيرات التي مرت بها ليبيا، فأصبح في الوقت الحالي مقهى عادي يرتاده بعض الناس للتسلية وقضاء أوقاتهم في النميمة وتدخين الأرجيله.

وعلى ذكر بيروت ولبنان، يقول الكاتب اللبناني بول شاوول، عن المقاهي والفنان والمواطن: ” هناك من يذهبوا للمقاهي ليريحوا أنفسهم من الهموم ومتاعب الحياة، وهناك من يذهب ليريح نفسه بالقراءة والكتابة... المقهى فكرة، والبيت فكرة، أو هما مجموعة أفكار ومشاعر، أحلم بالكتابة عن المقهى والكراسي وناس المقاهي. المقهى عادة من عادات مسماي من عادات أفكاري وحواسي وبصري. المقهى هو نافذة المدينة، عندما تقفل المقاهي تقفل المدينة، المقاهي هي الحوار وقبول الأخر، المقاهي لا تسألك عن أصلك ولا عن فصلك “. 1

نعم عندما تقفل المقاهي تقفل المدن أبوابها ونوافذها، عندها لا يستنشق أهل المدينة هواء الحرية، فالثقافة والأدب والفنون والمسرح، هم المحرك الأساسي للشعوب وعيونها التي تبصر بها. المقاهي الأدبية والثقافية تقفل في الحروب والانقلابات العسكرية والمتغيرات السياسية، لكي يفصل السياسي والمثقف والمبدع وعامة الناس بعضهم عن بعض، خوفاُ من غضبهم، خوفا من حراكهم، خوفا من انتفاضتهم. إنه مكان يبغضه ويكرهه سارقي الحرية، سارقي السلطة، سارقي رغيف وقوت المواطن، سارقي الفرح وسعادة الشعوب.

وما دام حديثنا عن لبنان وبيروت، فدعونا هنا نعرج ولو قليلاُ، على أهم مقاهيها في زمن بيروت الثقافي، قبل أن تطحنها الحروب الأهلية والحروب الإسرائيلية والعبث الاستعماري، الذي هز كيان ثقافتها للنيل من مورثونا الثقافي العربي، وحاولوا إسقاطه أينما وجد وأينما ظهر، ولكن بيروت صمدت وقاومت، كل أنواع التهويد والإزالة والطمس، لأن ثقافتها صلبة ومتجذرة لا تهزها الرياح العاتية، فعادت بعد حروبها وأزماتها وانتكاساتها، واسترجعت ذاكرتها وعربتها ومورثوها.

كان "الهورس شو" أول مقهى صيفي في بيروت، أفتتح في عام 1959، حيث أصبح بعد فترة مقصد للمثقفين والكتاب والمبدعين، وبدأت تركيبته الثقافية واضحة المعالم، فكانت من رواده الفنانة المسرحية نضال الأشقر، والتي عندما منعت السلطات اللبنانية مسرحيتها "مجد ليون" للكاتب هنري حاماتي عام 1969، قامت بتمثيلها علي رصيف هذا المقهى. كما كان من رواد هذا المقهى الكاتبة غادة السمان، وريمون جبارة، وأنس الحاج.

كان لمقهى "الهورس شو"، شأن كبير في تأسيس الكتابة الشعرية الجديدة، على أيدي كتاب وشعراء سوريين مهاجرين أمثال: يوسف الخال، محمد الماغوط، نذيرالعظمة وفؤاد رفقة، حيث أسسوا جميعهم مجلة "شعر" المشهورة، وأحدثوا انقلابا كاملاُ في بنية القصيدة العربية الحديثة. وكان لهذا المقهى فضل كبير في إرساء أسس المقاهي الثقافية والأدبية في بيروت، فيلتقي فيه المبدعون والمثقفون، يؤسسون الجمعيات الثقافية والإصدارات الأدبية، ويقيمون الملتقيات والعروض المسرحية والأمسيات الشعرية. 2

كل هذا أثر في الحركة الأدبية وعمّق جذورها، ووسع دائرتها بنشرها وتواصلها مع أقطار عربية أخرى، فكان لمثقفي ليبيا جانب من هذا التواصل، مع عدد كبير من مبدعي ومثقفي الوطن العربي، المتواجدين في لبنان في تلك الفترة، فبيروت كانت ملتقي المبدعين العرب، في فترة الستينيات وبدايات السبعينيات من القرن الماضي، لكن كل هذا تهاوى مع اندلاع الحرب الأهلية في عام 1975، ثم الاجتياح الإسرائيلي عام 1982 وما تبعهما من متغيرات حدثت بعد ذلك في لبنان، لترسم لنا صورة وملامح ثقافية أخرى لبيروت الآن، بمقاهي أخرى ومثقفين من الجيل القديم والجيل الجديد، ليرسخوا لنا استمرار الثقافة والأدب والفن في بيروت، ولكن بمعطيات أخرى وعصر أخر مختلف تطورت فيه التكنولوجيا محدثة انقلاب إعلامي وثقافي كـ ظهور الإنترنت والفضائيات، رغم استمرار الصراعات والحروب العربية الإسرائيلية بالمنطقة.

يقول مثقفون ومبدعون ليبيون عن المقاهي الأدبية والثقافية، التي عاصروها بأنها ظاهرة اجتماعية حضارية في ليبيا وفي العالم العربي، منذ الخمسينات من القرن الماضي، فهي ملتقى للمثقفين والسياسيين وعامة الناس، الذين يتواجدون للاستراحة أو الترفية أو الاستفادة مما هو موجود.

ويذكر الروائي والصحفي الكولومبي “ "غابرييل غارسيا ماركيز" والحائز على جائزة نوبل للآداب عام 1982، أن لمقهى "القطط الثلاث" والواقع في العاصمة الأرجنتينية "بوينس أيرس" أثر كبير في تبلور وعيه الثقافي والإبداعي، والذي أثرى به الأدب العالمي برائعته "مئة عام من العزلة" “. 3

وهنا تعود بنا "عربة الذاكرة" إلى مقهى ومسرح الغزالة في مدينة طرابلس في ستينيات القرن الماضي، فقد كان من رواده الفنان المرحوم محمد الساحلي، الذي أبدع إخراجيا في سرد حكايات الحارة الليبية الطرابلسية، من خلال أعمال درامية بقيت في ذاكرة المشاهد الليبي إلي يومنا هذا، مثل السهرة التلفزيونية "عايدة" ومسلسل "مقادير" وأخرها مسلسل "الفال" عام 1987، من تأليف الفنان "مصطفى المصراتي"، والذي كان لي الشرف أن أكون أحد صانعيه (ممثل أول، مساعد المخرج ومدير إدارة الإنتاج)، ليبقى علامة فارقة في الدراما الليبية (هذا من وجهة نظري)، رغم الثمن البخس الذي صرف على إنتاجه والإمكانيات الضعيفة والتي تصل إلي مستوي أقل من خط الفقر علي مستوي الإنتاج الدرامي العربي . وستكون لي وقفات أخرى في أوراق أخرى مع الدراما الليبية، في سلسلة سأقوم بنشرها قريبا تحت عنوان"الدراما الليبية..انتكاسات وتحديات".

كذلك تجد في مقهى الغزالة، شيخ الفنانين الفنان المرحوم "سالم أبوخشيم"، الذي كان –رحمه الله- ما أن تذكر أمامه خشبة المسرح، حتى تذرف دموعه حسرةً ولوعة على ما ألت إليه أوضاع المسرح الليبي، و "الحاج سالم" كما يحب أن ينادى، هو أحد الأعضاء المؤسسين للمسرح الحر بطرابلس في مارس 1970. فكان لصداقتي مع هذا الفنان منذ عضويتي بالمسرح الحر عام 1982، و الفنانين مصطفي المصراتي، يوسف الكردي، المرحوم عبدالله تامر، مفتاح الفقيه، المرحوم محمد الساحلي، المرحوم عبداللطيف المصراتي، وغيرهم من الفنانين أعضاء هذا المسرح والفرق المسرحية الأخرى، حوارات طويلة ونقاش مستمر حول الفن والمسرح، الإشكاليات والتحديات، الماضي والحاضر والمستقبل. وكان للمقاهي نصيب طويل في هذه الأحاديث وما كان يدور فيها من التقاء واجتماع للكتاب والمسرحين والمثقفين.

كانت عربة ذاكرتي آنذاك تلتقط وتختزل ولا تضيع أي فرصة في النقاش والحديث مع هولاء الفنانين، حيث كان لتاريخ المسرح والفرق الأهلية والمقاهي والإنتاج المسرحي نصيب كبير في أحاديثنا، فكنت أحيانا أدون وأختزل أحيانا أخرى، وأنسى مرات وأعيد الاستذكار مرات عديدة.

وتزداد الأحاديث طرافة ومتعة وتشويق، عندما تكون في يوم الجمعة بعد الصلاة، فنجد في انتظارنا "المبكبكة بالحوت" التي يقوم بطبخها الحاج سالم وإعدادها قبل الصلاة، والتي يستنشقها ويعرفها كل مسرحي ليبيا من مدينة طرابلس وتصل لمدينة بنغازي وباقي المدن الليبية، نظراُ لصداقتهم مع هذا الفنان المبدع، ومعرفتهم بأن معدات "المبكبكة" دائماُ معه أينما ذهب وأينما حل، فيكون يوماُ حافلاُ بالنقاش والأكل وقرقعة أكواب "الشاهي" والقهوة، ويكون المسرح الحر ملاذاُ للفنانين الهاربين من بيوتهم في هذا اليوم. كانوا يقولون لنا أرجوكم دونوا كل شيء حتى هذه "المبكبه"، فهي علامة من علامات أزمة المسرح الليبي أو ربما هي علامة من علامات ازدهاره.

إن التقاء فنانو المسرح في يوم "عطلة رسمية" كان من المفترض أن يكونوا فيه بجانب أطفالهم وعائلاتهم، هو دليل علي حبهم لأب الفنون وأستاذ الشعوب، مؤكدين رغبتهم في الالتقاء لتدارس هموم الوطن وهموم المسرح وهمومهم اليومية.

"سجلوا واكتبوا فلا ندري ما يكون المستقبل وكيف سيكون حال المسرح فالعلم عند الله"، جملة قالها الحاج سالم – رحمه الله- وأنا أقدم لهم فناجين القهوة.

لقد أصبحت الفرق المسرحية هي مقاهي الفنانين والكتاب والمبدعين، بعد أن أقفلت المقاهي أبوابها ونوافذها في عقد الثمانينات من القرن الماضي. وهنا يستحضرني حوار من مسرحية "النزيف" للكاتب محمد مسكين، ” هذه المدينة أقفلت أبوابها وعيونها وأذانها، تحولت بحارها رماداُ، وسال النزيف في الرماد ودياناُ من القطران، وسال. أين الكوثر يا خلاني، أين الموعود؟ ولكن ظل في المدينة صوت ووتر“. 4

وفي هذه اللحظة، أنظر إلى جهاز الكمبيوتر الذي أمامي، الذي أخزن فيه ما في عربة الذاكرة، وما في ذاكرة الذاكرة، وأتساءل بيني وبين ذاكرتي الحالية وأنا أحتسي قهوتي، لو أن أستاذتي وزملائي رفاق الدرب في المسرح، الذين هم بدار الحق ونحن بدار الباطل، كانوا معنا الآن وشاهدوا ما وصل إليه التدوين والكتابة، والتطور التكنولوجي بكل أبعاده واتجاهاته، وهذا الإعلام المفتوح بكل حرياته، عندها لقال الحاج سالم كلمته المشهورة والتي يعرفها كل فناني المسرح وأصدقائه ورفاقه، (..........) وهي كلمة ليست للنشر، يقولها عندما يعجب بأي شيء إلي حد الانبهار. لكن في حالتنا هذه ما أن ينتهي من كلمته وانبهاره، حتى يصاب بالإحباط و الانكسار، عندما يكتشف أن أصدقائه الفنانين المسرحين والكتاب والمبدعين، لم يدونوا أو يكتبوا أي شيء علي صفحات هذا "الإعلام المفتوح" عن المسرح والخشبة، عن المقاهي عن مسرح الغزالة، تاجر البندقية، والزير سالم، وكاليجولا. فهل هم محبطين أو منكسرين أو ربما متوجسين من شي ما عندما يتطرقون لأي موضوع يخص المسرح والمسرحيون والتدوين؟، أم أن عربة الذاكرة توقفت أو تعطلت!!؟.

وهنا توقفت العربة، وتوقفت الذاكرة، وتوقفت الكتابة وتوقف التدوين، فالساعة التي أمامي تعلن عن قرب مغادرتي المقهى، لملمت أوراقي وأقفلت جهاز الكمبيوتر وتفقدت أشيائي، وغادرت وأنا أودع مبتسماً عاملات المقهى، على أن نلتقي في يوم أخر، وضعت المظلة على رأسي، فالأمطار بدأت تتساقط، والمقاهي بدأت تقفل أبوابها ولكنها ستعاود فتحها من جديد مع إشراق يوما آخر، فالمقاهي في هذه المدينة لا تصد أبوابها ولا تقفل نوافذها، عن روادها وعن كتابها وفنانيها وأدبائها وناسها ومواطنيها وحتى المهاجرين إليها.

وللحكاية بقية
ـــــــــــــــــــــــــــ
المصادر:
* مسرحية غالية، إقتباس وإعداد الفنان مصطفي المصراتي، عن مسرحية مهاجر بريسبان لجورج شحاذة، من إنتاج فرقة المسرح الحر – طرابلس/ ليبيا عام 1987
1 – جريدة النهار مارس 2010.
2 – جريدة القدس العربي يوليو 2002.
3 – د. صالح هويدي، مقاهي بغداد تلاحم سياسي وثقافي.
4 – مسرحية النزيف، تأليف الكاتب المغربي محمد مسكين ص: 93.
************

ليست هناك تعليقات: