السبت، 27 مارس 2010



في يوم المسرح العالمي

بقلم/ بعـيو المـصراتي

مع الفنان مصطفي المصراتي في مسرحية " بعد العشرة تبان الناس " إقتباس وتليب الفنان المرحوم سليمان المبروك، عن مسرحية " قطط وفئران " للكاتب علي أحمد باكثير، ومن إخراج الفنان مصطفي المصراتي، إنتاج المسرح الحر – طرابلس 1984.


يحتفل المسرحيون في كل أنحاء العالم يوم 27 "آذار" مارس من كل عام بيوم المسرح العالمي، فتقدم في هذا اليوم العروض المسرحية والفنية علي خشابات المسارح، وفي الساحات، والشوارع، والمقاهي، مجسدين التلاحم بين الفنانين والمبدعين، هواةً كانوا أو محترفين أو حتى مبتدئين، إنها طقوس مشهديه تعبر فيها الجماهير والناس والمتفرجين عن أرائهم وحرياتهم، عن فقرهم وعن جوعهم وكذلك عن معاناتهم وآلامهم، أنها تظاهرة شعبية تدق فيها الطبول، وتصدح فيه الموسيقي بكل أشكالها وأنواعها، فهل يحضى المواطن العربي بالاستمتاع بهذا اليوم بعيداُ عن الاحتفالات المسيسة والبرتوكولات الروتينية المعتادة، برقابة بشرية مقيدة تمنع الإبداع العفوي التلقائي من الخروج عن خط السير، فيا لها من احتفالية مكبلة هذا إن وجدت، فهي في الغالب يتم تجاهلها دائماُ ونبذها من قائمة أجندات الساسة و المهيمنين علي السلطة والطابور الخامس.

فليتحرر الفنان وليطلق العنان لكل المبدعين والمثقفين وكذلك المشاهدين والمتفرجين في وطننا العربي من الماء إلي الماء*، في يوم المسرح العالمي، لنقل وبأعلى أصواتنا ليسمعها كل العالم صرخة واحدة، لا لكتم الأفواه وخرس الأصوات، لا لكبت الأفكار وقيد الحريات ففي هذا اليوم عيدها، والمسرح بدأ حراُ وسيبقي أمد الدهر حراُ، والشعوب ولدت حرة وستبقي دائماً حرة.

بعيداُ عن الأحلام والأمنيات، و حثي لا يقال عن الفنانين والمسرحين أصحاب خطب (بياعين كلام) على الأخشاب، دعونا نسترجع مرة أخرى لنذكر بنشأة المسرح وبدايته فهي لها حكايات كثيرة، وروايات افتراضية عديدة، وربما الحكاية المتداولة أو المنقولة وهي التي تأخذ شكل السرد الأسطوري والفرجوي، هي ما تشد الانتباه: ” في إحدى ليالي ذاك الزمن القديم، تجمّع رجال في مقلع للحجارة طلباً للدفء حول نار مشتعلة وتبادل القصص والأحاديث. وفجأة، خطر في بال أحدهم الوقوف واستخدام ظله لتوضيح حديثه. ومن خلال الاستعانة بضوء اللهيب، استطاع أن يُظهر على جدران المقلع شخصيات أكثر جسامة من أشخاص الواقع. فانبهر الآخرون، وتعرّفوا من دون صعوبة إلى القوي والضعيف، والظالم والمظلوم، والإله والإنسان البائد. وفي أيامنا هذه، حلت مكان نيران المباهج التي توقد في المناسبات الخاصة والأعياد الأضواء الاصطناعية، وجرى الاستعاضة عن جدران المقلع بآلات المسرح المتطورة “. ويكيبيديا

حتى النصف الأول من أربعينيات القرن الماضي، لم يكن للمسرح رغم قدمه وأهميته كيان تنظيمي يأخذ على عاتقه مركزية العمل وبهدف تعزيز وتوسيع العلاقات بين مسارح العالم وتبادل التجارب والخبرات، وفي سنة 1941 وبمبادرة من اليونسكو انبثقت أول لجنة تحضيرية للمركز العالمي للمسرح وتضم كل من " فرانسومو وجون بريستلي "، ثم نالت إعجاب هذه الفكرة وجوها مسرحية جديدة مثل الفنان العالمي " جان لوي " الذي كلف لاحقا بإلقاء كلمة يوم المسرح العالمي و" ارمات سلاكوف " مؤلف مسرحية ليالي الغضب وآخرين، وتمت مناقشة مسودة برنامج المركز الدولي للمسرح، وبعد مداولات كثيرة أسفرت عن عقد مؤتمر في براغ عام 1948، الذي تكللت أعماله بالنجاح متمخضا عن ولادة المركز العالمي للمسرح، الذي اتخذ من باريس مقرا له، وانضوى تحت لوائه ومظلته فيما بعد، ما يقارب على الستين مركزا مسرحيا تتولى نشاطات وفعاليات هذا المركز، بدءاً بإصدار مجلة للمسرح العالمي ونشر دراسات وأبحاث، وتعزيز العلاقات ما بين المسرحيين وتطوير قدراتهم ومؤهلاتهم، من خلال البعثات الفنية المشاركة في الندوات والمؤتمرات المسرحية.

ويذكر بأن الحدث المهم في حياة ومسيرة هذا المركز، يوم اجتمع عدد غير قليل من المسرحيين في فيينا عام 1961، وحددوا يوما للاحتفال بيوم المسرح العالمي، حين وقع اختيارهم على 27 آذار موعد افتتاح مسرح (سارة برنارد) ومنذ ذلك التاريخ تشهد مسارح العالم احتفالات بهذه المناسبة وسمي هذا اليوم بيوم المسرح العالمي.

وفي 27/ مارس / 1962 تم تكليف الفنان الفرنسي المعروف " جان كوكتو " بكتابة أول رسالة ليوم المسرح العالمي، ثم تطورت الفكرة متحولة إلى تقليد سنوي وتكريم رفيع المستوى، يتم على وفقه اختيار وتكليف أحد المسرحيين، بتميزه ومكانته الفنية وانجازاته الإبداعية وعطائه الفريد و اللا محدود، لكتابة رسالة يوم المسرح العالمي، وقد جرت العادة دوليا على تنظيم المؤسسات المسرحية مختلف الأنشطة الفنية، من عروض مسرحية ومعارض فنية، وندوات ثقافية، وملتقيات مسرحية. وجدير بالذكر والمتعارف عليه بأن رسالة يوم المسرح العالمي تقرأ في أرجاء العالم بتمام الساعة السابعة مساء تقريباً بتوقيت غرينتش في مقر منظمة اليونسكو بباريس.

في هذه السنة 27 مارس 2010م، كانت هذه الرسالة المسرحية من نصيب الممثلة البريطانية جودي دينش، والتي ستقول وحسب ما نشر على شبكات الانترنت: ” يوم المسرح العالمي فرصة للاحتفاء بالمسرح بشتى أشكاله وأنواعه، فالمسرح مصدر للترفيه والإلهام، وهو القادر على توحيد مختلف الثقافات والحضارات و الناس في هذا العالم، بل هو أكثر من ذلك حيث يوفر أيضاً الفرص للتعليم والمعرفة. يجري تقديم العروض المسرحية في مختلف بقاع الأرض، وليس بالضرورة أن يكون بالشكل التقليدي، إذ يمكن أن يقدم حتى في أي قرية صغيرة في مجاهل أفريقيا، أو قريباً من الجبال في أرمينيا، أو حتى على جزيرة صغيرة في المحيط الهادي. فهو لا يحتاج سوى لمكان ولجمهور..وهو القادر على جعلنا نبتسم، وجعلنا نبكي، ولكن! لا بد له من أن يحفز فينا ملكة التفكير والتأمل “.

واليوم وأنا أعد هذه الورقة بمناسبة يوم المسرح العالمي، رأيت من واجبي ومن باب التدوين والتوثيق وزيادة الإطلاع والمعرفة والتعرف، أن أدرج هنا بعض المقاطع والرسائل التي كتبها عددٍ من الشخصيات العربية المعروفة بتميزها وحضورها المسرحي في يوم المسرح العالمي، كرسالة الفنان والكاتب الكبير الراحل السوري سعد الله ونّوس، والكاتبة المصرية فتحية العسال، وحاكم الشارقة والكاتب المسرحي الدكتور سلطان القاسمي.

سأبدأ برسالة الفنان الكبير الراحل سعد الله والنوس والتي كانت بتاريخ 27 مارس 1996 : ” لو جرت العادة على أن يكون للاحتفال بيوم المسرح العالمي، عنوانا وثيق الصلة بالحاجات، التي يلبيها المسرح، ولو على مستوى الرمزي، لاخترت لاحتفالنا اليوم هذا العنوان " الجوع إلى الحوار " . حوار متعدد، مركب، وشامل. حوار بين الأفراد، وحوار بين الجماعات. ومن البديهي أن هذا الحوار يقتضي تعميم الديمقراطية، واحترام التعددية، وكبح النزعة العدوانية عند الأفراد والأمم على السواء. وعندما أجس هذا الجوع، وأدرك إلحاحه وضرورته، فإني أتخيل دائماً، أن هذا الحوار يبدأ من المسرح، ثم يتموج متسعاً و متنامياً، حتى يشمل العالم على اختلاف شعوبه، وتنوع ثقافاته. وأنا أعتقد، أن المسرح، ورغم كل الثورات التكنولوجية، سيظل ذلك المكان النموذجي، الذي يتأمل فيه الإنسان شرطه التاريخي والوجودي معاً.

وميزة المسرح التي تجعله مكاناً لا يُضاهى، هي أن المتفرج يكسر فيه محارته، كي يتأمل الشرط الإنساني في سياق جماعي يوقظ انتماءه إلى الجماعة، ويعلّمه غنى الحوار وتعدد مستوياته. فهناك حوار يتم داخل العرض المسرحي، وهناك حوار مضمرٌ بين العرض والمتفرج. وهناك حوار ثالث بين المتفرجين أنفسهم .. وفي مستوى أبعد، هنا كحوار بين الاحتفال المسرحي " عرضاً وجمهوراً " وبين المدينة التي يتم فيها هذا الاحتفال. وفي كل مستوى من مستويات الحوار هذه، ننعتق من كآبة وحدتنا، ونزداد ‘إحساساً ووعياً بجماعيتنا. إننا محكومون بالأمل، وما يحدث اليوم لا يمكن أن يكون نهاية التاريخ. منذ أربعة أعوام وأنا أقاوم السرطان. وكانت الكتابة، وللمسرح بالذات، أهم وسائل مقاومتي. خلال السنوات الأربع، كتبت وبصورة محمومة أعمالاً مسرحية عديدة. ولكن ذات يوم، سئلت وبما يشبه اللوم: ولمَ هذا الإصرار على كتابة المسرحيات، في الوقت الذي ينحسر المسرح، ويكاد يختفي من حياتنا! باغتني السؤال، وباغتني أكثر شعوري الحاد بأن السؤال استفزني، بل وأغضبني. طبعاً من الصعب أن أشرح للسائل عمق الصداقة المديدة، التي تربطني بالمسرح، وأنا أوضح له، أن التخلي عن الكتابة للمسرح، وأنا على تخوم العمر، هو جحود وخيانة لا تحتملها روحي، وقد يعجلان برحيلي “.

ثم رسالة الكاتبة المبدعة فتحية العسال، والتي كانت بتاريخ 27 مارس 2004 : ” المسرح أب الفنون هذه حقيقة لا يختلف عليها اثنان. لذلك كتبت إهداء له.. عشقي الأول والأخير. لقد آمنت بأن أهم ما يميز الكاتب المسرحي هو امتلاء روحه برسالة إنسانية سامية ينشرها بين الناس من أجل الارتقاء بحياتهم وتحريرهم من كل عوامل القهر والاستغلال وانتهاك الكرامات. ولكي يبلغ هذا الكاتب رسالته ويؤثر في حياة الناس، لابد له من إتقان صنعته والسيطرة على أساليب التعبير الفني، وإلا تتبدد رسالته إدراج الرياح دون أن تخلف ورائها أثرا أو تحقق هدفا.. ففي كل الأعمال الفنية اقترنت دائماً الرسالة الإنسانية العادلة بنضج التعبير الفني وأصالته.

في مسرحيتي الأولى " نساء بلا أقنعة " اخترت صيغة " المسرح داخل المسرح "، الصيغة التي أصبحت مألوفة في المسرح الحديث، بدأت مسرحيتي بصرخة وبسؤال، لأنني كنت أشعر أني حبلى بالكلمة من عشرات لا بل من مئات السنين. فهل أن الأوان لآلام المخاض أن تعتصر أعماقي وتدفع بكلمتي للوجود.. كلمتي.. حبيبتي.. طفولتي.. ابنتي، أسمع صوتها المختلف عن كل الآهات والإناث المستضعفة المكبوتة المقهورة والمهزومة، والتي يتردد صداها عبر أجيال وأجيال وينوء بها، وبكل المخزون، من رفض للقهر والتبعية، ضمير التاريخ الإنساني.. رفضت أن أخطأ واحدا على الورق ما لم يكن نابعا من أعماقي، ومعبرا عن حقيقة المرأة وقدرتها على العطاء، لذلك استحلفت قلمي بأن يتوقف ولا يسطر حرفا واحدا مستضعفا أو مقهورا، أن شعر أني قد جبنت عن قول الحقيقة، ثم طلبت منه أن يساعدني على أن أخرج إلى الوجود “.

ثم رسالة حاكم الشارقة الدكتور سلطان القاسمي والتي كانت بتاريخ 27 مارس 2007م : ” المسرح ، هذا العالم الساحر ، تعرفت إليه عشقًا وحبًا منذ نعومة أظفاري عندما انجذبت إليه تأليفًا وتمثيلاً وإخراجًا من خلال المراحل الدراسية الأولى .

كانت البداية عفوية لم أحملها أكثر من كونها نشاطًا مدرسيًا يغني الروح والعقل، ولم أدرك جوهره الحقيقي إلا عندما تصديت لتأليف وإخراج وتمثيل عمل مسرحي سياسي أغضب السلطة حينها ، فقامت بمصادرة كل ما كان في المسرح وتم إغلاقه أمام عيني ، فما كان من روح المسرح ، لدى مشاهدتها العساكر بأسلحتهم ، إلا أن تلجأ وتستقر في الوجدان ، حينها أدركت قوة المسرح وجبروته، وبخاصة في مواجهة من لا يتحمل الرأي الآخر ، وتيقنت من الدّور الخطير الذي من الممكن أن يلعبه المسرح أو يقوم به في حياة الشعوب .يا أهل المسرح ، إن عاصفةً قد حلّت بساحاتنا من شدة ما يُثار حولنا من غبار الشّك والريبة ، حتى كادت تحجب وضوح الرؤية لدينا ، وأصواتنا لا تصل آذان كلٍ منّا من كثرة الصراخ والفرقة التي تباعد بين الشعوب ، وتكاد العاصفة تطوح بنا لتبعدنا عن بعضنا لولا إيماننا الراسخ بدور المسرح القائم على الحوار أصلاً . إذاً ، لابد لنا من التصدي والتحدي لمن ينفخ في تلك الأبواق لإثارة تلك العواصف ، ليس لتحطيم هذه الأبواق ، ولكن بالنأي بأنفسنا عن تلك الأجواء الملوثة ، وتكريس جهودنا بالتواصل وإقامة علاقات المودة مع المنادين بالتآخي بين الشعوب .نحن كبشر زائلون ، ويبقى المسرح ما بقيت الحياة “.

كلمة الدكتور سلطان القاسمي، استحضرت ذاكرتي في أحداث مر عليها أكثر من 34 سنة مضت، عندما كنت في 16 من عمري، في أول عمل مسرحي لي مع فرقة أهلية بمدينة طرابلس الغرب في النصف الأول من سنة 1976م، وكان قد أسند لي دور رئيسي في مسرحية ليبية بعنوان "الحيط الخايخ هدمة" أي بمعني أي بناء غير سوي يجب إزالته، وهي من تأليف الكاتب محمد عبدو الفوراوي، وإخراج الفنان المرحوم مختار عوبة، وتقديم "مسرح الجيل الصاعد" والذي تأسس سنة 1960 بطرابلس. في تلك الفترة ونتيجة لوضعي الدراسي والامتحانات، لم أتمكن من المشاركة في جميع العروض التي عرضت لهذه المسرحية في عدة مدن ليبية، ولكن شاركت فقط عند عرضها بمدينة طرابلس، حيث كنت حاضراُ معهم قبل العرض للمساعدة في تجهيز الديكورات والإكسسوارات والملصقات للدعاية، (وهذا بالطبع حال كل الفرق الأهلية) ، أي بتعاون جميع الأعضاء المشاركين في العرض المسرحي ليكون العرض جاهزاُ في موعده، ولكن أتت الرياح بما لا تشتهي السفن، فعند المساء وقبل العرض بساعات وبدون مقدمات داهمت مسرح الكشاف مجموعة من الأمن، وكان في مقدمتهم مدير قطاع المسرح في ذلك الوقت، حيث تم إبلاغنا بأن العرض أوقف وعلينا إيقاف كل شيء، حاولت إدارة الفرقة معرفة السبب ولكن كالعادة دون جدوى!!، فلم يمهلونا حتى الوقت الكافي للملمت أنفسنا مما نحن فيه، حيث بدأوا في هدم الديكورات وإزالة الملصقات وإيقاف بيع التذاكر، وما كان علينا آنذاك إلا تنفيذ تلك الأوامر بدون أي سؤال وكان لهم ما كان، وكان علينا ما كان.

وللتعريف بهذه المسرحية "مسرحية "الحيط الخايخ هدمه" مسرحية اجتماعية ليبية باللهجة العامية الدارجة، ليس لها علاقة بالسياسة لا من قريب ولا من بعيد، ولكن الظروف السياسية التي مرت بها ليبيا في تلك الفترة، بعد تقديم عدة عروض مسرحية في "مدينة بنغازي"، كمسرحية "تداخل الحكايات عند غياب الراوي" ومسرحية "عندما تحكم الجرذان" والتي كانت تحمل في طياتها حوارات مناهضة للسلطة الحاكمة في ليبيا، وهي التي أربكت "الأجهزة الأمنية" لهذا النظام ودفعها بإيقاف أي عمل مسرحي يعرض في ذلك الوقت، خوفاُ منها من حدوث أي ردت فعل عكسية، في ظل الأوضاع السياسية في ليبيا عند منتصف عقد السبعينات من القرن الماضي.

واليوم وفي هذه السنة وفي ذكرى اليوم العالمي للمسرح، أود القول بأني ومنذ ذلك الوقت ومنذ تلك الفترة و في ذلك العمر، عرفت أن للمسرح دور مهم وكبير، لا تجده ولا تتعلمه على مقاعد الدراسة، ولكن بالتجربة والمحك العملي، تستطيع أن تفهم وتستوعب درس المسرح جيداُ. ومن ذلك الزمن أيضاً، عرفت دور هذا الركح الصغير وهذه الخشبة ضيقة المساحة في الفضاء الخارجي الكبير، ودورها في توعية الشعوب، كما أني ومنذ تلك الفترة وأنا أعايش المسرح الليبي وأتابع وأراقب كل ما رافقه من أزمات عديدة كالإجحاف والإهمال والتهميش، فالخطاب المسرحي يتلقاه المتفرج والمشاهد مباشرة وبدون قيود، وهنا تكمن خطورة هذا الركح "الخشبة"، ولهذا فرضت عليه القيود وشددت ضده المراقبة بكل أنواعها، ولكن يبقي الفنان المسرحي مراوغاُ من النوع العتيد، يوصل خطابه ولو وضعوا فوقه ألف رقيب.

وأخيراُ كانت هذه رسالتي الشخصية في هذه الذكرى العظيمة، كما أوردت بعضاً من رسائل كتاب ومبدعين علي مستوي الوطن العربي، والتي قيلت في سنوات مختلفة بمناسبة يوم المسرح العالمي، معبرين فيها ومن خلالها عن ما يختلج في أنفسهم تجاه المسرح والمسرحيون بأصدق الكلمات والصورة الواضحة والجلية للواقع المسرحي العربي في المتغيرات السياسية، والأوضاع العربية الراهنة. فتحية لهم علي صدق مشاعرهم وأحاسيسهم، مترحمين علي الفنان المبدع "سعدالله والنوس" الذي ترك قيمة إبداعية تتوارثها الأجيال. وكل العام والمسرح والمسرحين بخير في كل أنحاء العالم وفي وطننا العربي وفي بلدي ليبيا متمنياُ لكل فنانينا ومبدعينا الليبيين عام أخر مختلف تزدهر فيه الحركة المسرحية، ويعطي فيه المواطن الإنسان والفنان حقهما الآدمي والبشري.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* تعبير مسرحي المقصود به من المحيط إلى الخليج

الفنانون والأدباء والكتاب في سطور:

الممثلة البريطانية جودي دينش " Judi Dench " : ولدت في 9 ديسمبر 1934، حاصلة علي جائزة الأسكار كأحسن ممثلة مساعدة في مارس 1998، عن فيلم " شكسبير عاشقاُ ". منحتها الملكة إليزبيت الثانية لقب السيدة " DBE " من منظومة الأمبراطورية البريطانية عام 2003.

الكاتب سعدالله والنوس : ولد في قرية حصين البحر في محافظة طرطوس بسورية عام 1941. درس الصحافة في القاهرة وتخرّج عام 1963، وعمل محرراً للصفحات الثقافية في صحيفتي " السفير " اللبنانية و" الثورة " السورية. كما عمل مديراً للهيئة العامة للمسرح والموسيقى في سوريا، في أواخر الستينيات، سافر إلى باريس ليدرس فنّ المسرح. اكتنفت مسرحياته نقداً سياسياً اجتماعياً للواقع العربي بعد صدمة المثقفين إثر هزيمة 1967 وتوقف النقاد كثيراً عند مسرحيته «حفلة سمر من أجل 5 حزيران» التي اعتبرت نقطة تحول رائدة في المسرح الواقعي. وفي أواخر السبعينيات، أسهم ونوس بإنشاء المعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق. أصدر مجلة «الحياة المسرحيّة»، وعمل رئيساً لتحريرها. من العام 1978 حتى 1988. توفي في 15 أيار (مايو) 1997، بعد صراع خمس سنوات مع مرض السرطان.واستسلم في يوم الذكرى الـ49 لنكبة فلسطين، رحل كي لا يشهد على احتفاء جديد بألمنا كما كان يردّد.

الكاتبة المصرية فتحية العسال : كاتبة قصة ورواية ومسرح، عضوه نشيطة ومهمة في عدة مؤسسات وجمعيات تهتم بالدفاع عن المرأة وحقوق الإنسان، إصدراتها المسرحية، " هل أنا حرة أم أدعي الحرية "، " سجن النساء "، " بلا أقنعة "، " البين بين ".

الدكتور سلطان بن محمد القاسمي : ولد في يوليو 1939 بمدينة الشارقة، وهو راعي للأدب والثقافة والفن وينعكس هذا علي إمارته التي تزدهر بالمراكز والمحافل الثقافية. كتب للمسرح مسرحية " القضية " سنة 2000 ومسرحية " الواقع طبق الأصل " سنة 2001، منح جائزة الشيخ زائد للكتاب والشخصية الثقافية للعام 2009 – 2010 .

ليست هناك تعليقات: